هل خلق الله تعالى هذا الكون خصيصاً من أجل الإنسان أم أن الإنسان أتى في مرحلة لاحقة

2 إجابات
profile/د-محمد-ابراهيم-ابو-مسامح
د. محمد ابراهيم ابو مسامح
ماجستير في التربية والدراسات الاسلامية
.
٠٧ مارس ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
 نعم / فقد خلق الله تعالى هذا الكون وما فيه من شمس وقمر وأرض وسماء ونجوم وكواكب وأنهار وبحار ومحيطات وجبال وليل ونهار كل ذلك من أجل هذا الإنسان حتى يعيش فيه ويؤدي خلافته في الأرض على أكمل وجه .
- وكان خلق السموات والأرض قبل خلق الإنسان ، ولكنه قدّر مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة !!
- فعن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء " أخرجه مسلم .

- قال الله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ *وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) سورة إبراهيم (32-34)
 
- ومن أهم الحكم في خلق السموات والأرض ما يلي :

1- التسخير للإنسان: فالسماء وما فيها من ( شمس وقمر ونجوم وهواء ومطر وسحاب)  والأرض وما عليها من (أنهار وبحار وجبال ونبات وأشجار وحيوان وطيور ) كل ذلك من أجل الإنسان - وحتى يقوم بهمته وخلافته لله تعالى في أرضه .

2- إن عظمة المخلوق تدل على عظمة الخالق ، فلولا وجود السموات والأرض كيف نستدل على وجود الخالق سبحانه وتعالى .
-  قال الله تعالى: (وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ * وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ * لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلْلَّيْلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس: 38-40]. فهذا الكون وما فيه من عوالم وكواكب ومجرات منضبط ويسير وفق نظام دقيق لأنه نظام إلهي ، بعكس المخلوق الإنسان الذي يتبدل ويتغير بين فترة وأخرى .

3-من أجل الاختبار والامتحان بأن الله تعالى قد يسر لنا كل شيء من خلال خلقه للسموات والأرض فهل نحسن العمل ونتقنه ونستخرج ما في هذه الأرض ونستفيد منه وننتفع به  ، قال الله تعالى : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) سورة الملك:2 .

4- حتى تتحقق عبادة شكر النعمة فالنعم التي أنعمها الله تعالى علينا سواء في السماء او الأرض كثيرة جداً ، ويجب علينا شكر هذه النعم باستخدامها وفق منهج الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم .

5- ليعرف الإنسان قيمته وحجمه الحقيقي مقابل مخلوقات الله العظيمة في السموات والأرض ، فلا يتكبر ولا يظلم ولا يفسد في الأرض .

6- ليتفكر الإنسان ويطلق العنان لفكره في البحث العلمي في موجودات السموات والأرض كعلم الفلك والفضاء وعلم البحار والمحيطات ، وعلم الصخور والبراكين والزلازل، وعلم النبات والحيوان وغيرها من العلوم الكثيرة .

7- لزيادة إيمان العبد من خلال التفكير في خلق السموات والأرض .

- والله عز وجل خلق هذا الإنسان لغاية سامية وهي عبادة الله تعالى ،الاستخلاف في الأرض  ، والأدلة على ذلك :
1- قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [الذاريات: 56] .
2- وقوله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون: 115].
3- وقوله تعالى: (أَيَحْسَبُ الْإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً ) [القيامة: 36] .
4- وقوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) سورة البقرة (30)

- ولتحقيق هذه الغاية ينبغي للمسلم أن يقوم بما يلي :

1- أن يعي مفهوم العبادة  فالعبادة : هي أسم جامع لكل ما يحبه الله تعالى من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة .
- وهي قسمان :
-عبادة مخصوصة : وهي التي تؤدى في أوقات وأزمان مؤقته وتشمل أركان الإسلام ( الصلاة والصيام والزكاة والحج )
- عبادة غير مخصوصة : وهي سائر النوافل والمستحبات من أعمال الخير والبر والصدقة وصلة الرحم وغيرها .

2- ولتحقيق الغاية كذلك يتمثل في الاستخلاف الحقيقي في الأرض وإقامة شرع الله تعالى فيها وتنفيذ جميع أوامر الله تعالى واجتناب جميع نواهيه .

3- والعبادة حق من حقوق الله تعالى على عباده ففي الحديث عن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ فقال معاذ: قلت: الله ورسوله أعلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا ) متفق عليه

- وعليه : فإن غاية خلق الإنسان تتمثل في العبادة والإستخلاف ، فيجب عليه أن لا ينشغل بالدنيا وينسى ما كلفه الله تعالى من عبادته وإستخلافه في الأرض .

- ولتحقيق العبادة والإستخلاف فعلى المسلم أن يستغل كل لحظة في حياته في عمارة هذه الأرض وتحقيق عبودية الله تعالى المتمثلة بالربوبية والألوهية ، وهذا يدعونا نحن المسلمين أن نوازن بين الدنيا والآخرة - بحيث لا يطغى جانب على آخر - فلا يجوز العمل للدنيا وترك الآخرة ، كما لا يجوز العمل للآخرة فقط وترك الدنيا ، ولهذا نجد أن القرآن الكريم يؤكد على هذه الحقيقة في قوله تعالى : ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) سورة القصص (77) 

  • مستخدم مجهول
قام 1 شخص بتأييد الإجابة
profile/دمحمد-الطويل-1
د.محمد الطويل
دكتوراة في الفقه وأصوله (٢٠١٠-٢٠١٣)
.
٠٨ أبريل ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
 أما قولك (أم أن الإنسان أتى في مرحلة لاحقة) فنعم قطعاً فخلق الكون سابق على خلق الإنسان قطعاً!

وإذا كنت تقصد بقولك أن خلق الإنسان أتى في مرحلة لاحقة أنه لم يكن في قدر الله خلق الإنسان ثم خلقه فهذا باطل قطعاً، لأن الله يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون! فهو سبحانه لما خلق السماوات والأرض كان في قدره وعلمه أنه سيخلق الإنسان ويوجده لاحقاً وذلك بحسب حكمته وعلمه سبحانه.

وأما سؤالك هل خلق الله الكون خصيصاً للإنسان ؟

فالجواب: أن إيجاد البيئة المناسبة لحياة الإنسان هي إحدى غايات وحكم خلق الكون ولكنها ليست الغاية الوحيدة، ففي خلق الكون من الحكم الباهرة التي نعلم بعضها ويخفى علينا كثيرٌ منها!

فمن تلك الحكم :

- ظهور آثار صفات الله وأسمائه
، فصفاته الحسنى سبحانه لا بد لها من تجليات وآثار ومن هذه الآثار خلق هذا الكون الفسيح المحكم المتقن بما فيه من خلق نعرف بعضهم ونجهل كثيراً منهم.

فإن من أسماء الله وصفاته أنه الخالق القادر القاهر البديع ، وهذا الخلق والقدرة والإبداع كما تظهر في خلق الإنسان فإنها في تظهر في خلق سائر المخلوقات في الكون من كواكب وسماوات ونجوم ومجرات وحيوانات وشجر وجبال.. إلخ.

فلولا هذا الخلق والإبداع كيف كان سيظهر كثيراً من معاني صفاته سبحانه.

- إظهار حمده وتمجيده سبحانه، والله سبحانه يحب أن يحمد على نعمائه وآلائه وهو لكل ذلك وزيادة وهو الغني في نفس الوقت عن ذلك، فخلق الملائكة المطيعين الذي لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون فهم في طاعة أبداً.
وخلق سبحانه الدواب والجمادات وألهمها تسبيحه بطريقة لا نعلمها نحن البشر، كما قال سبحانه ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم).

- ومنها إظهار الأدلة الدالة على وحدانيته وألوهيته.

- ومنها تهيئة البيئة المناسبة للحياة ولوجود الإنسان خصيصاً ليكون في ذلك تحميلاً له أمانة التكليف والابتلاء وهي أمانة عظيمة لم تطقها السماوات والأرض.

قال تعالى
(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72).
 
فأخبر سبحانه أن هذه المخلوقات على عظم حجمها لم تطق أمانة التكليف والاختيار وخافت من مصيرها إن كلفت - وقيل أن هذا من باب ضرب المثل -، وأن الله ألزم بها الإنسان وفي هذا دلالة على عظم الأمانة التي حملها الإنسان ولم يطقها غيره.

وقال تعالى
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)

ويخبر الله في هذه الآية أن من غاية الخلق هو الابتلاء والاختبار.

لذلك لما نقول إن من غايات خلق الكون هو تهيئة البيئة المناسبة لحياة الإنسان فليس ذلك دلالة على تكريمه مطلقاً، لأنها لم توجد ليعيش هذا الإنسان وحسب!

وإنما وجدت ليعيش امتحانه واختباره في هذه الحياة ويظهر من يقوم بأمانة التكليف ومن يخونها، فمن قام بها صار من أفضل من المخلوقات عند الله وأعلاها درجة وقد يفوق الملائكة، ومن خانها صارت الدواب خيراً منه فهس مسبحة قائمة بوظيفتها وهو خائن لوظيفته.

والأمانة المقصودة هي عبادة الله وتوحيده وإقامة شرعه في الأرض والتزام أحكامه واجتناب نواهيه.

وعليك أن تعلم أن هناك فرقاً بين تسخير كثير مما في هذا الكون للإنسان وبين كون الغاية الوحيدة هي الإنسان، فالأول صحيح، والثاني خطأ.

فالله سخر للإنسان كثيراً من مقدرات هذا الكون يستفيد منها في حياته، ولذلك لتتم له حياته على أتم وجه فلا يبقى له حجة أو اعتذار،  وليظهر سبحانه حجته على عباده في وحدانيته واستحقاقه وحده للألوهية.


وكلامي هذا يجيب على سؤال بعض الملاحدة لما قال : (وبعد هذا كله، لم يكن الله بحاجة إلا لمجموعة شمسية واحدة ليأوي المخلوقات التي تعبده، فما الداعي إلى البلايين الكثيرة من الكواكب غير المأهولة؟)!
ويقول عن الكواكب: (معظمها غير مأهولة. فإذا كان البشر هم الغاية من خلق الله، فلماذا كل هذا التبذير؟)

وهذا الجاهل المغفل يعامل الرب سبحانه كما يعامل صاحب البيت أهل بيته لما يسألهم لماذا تريدون شراء هذا الغرض ولا يظهر لي الهدف منه!

فمن أنت أيها الإنسان لتقترح وتعترض على خالق هذا الكون الفسيح فتقرر له ما يصلح وما لا يصلح، وأنت لو أصابك فيروس لا تراه بعينك بمرض لا تملك لنفسك ضراً ولا نفعاً!

فهذا الكون لم يخلق لك وحدك ولم يخلق عبثاً، ومن قال لك أنه لا توجد مخلوقات أخرى في كواكب أو مجرات أخرى!

ألم ترشدك الإتقان الباهر في الكون والإعجاز فيه أن وراءه خالقاً مدبراً حكيماً لا يخلق شيئاً عبثاً!

قال سبحانه في سورة الدخان (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38)  مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39))

سبحانه وتعالى عما يصفون