دعني أخبرك بدايًة القليل عن ديكارت. رينيه ديكارت هو فيلسوف وعالم رياضي وفيزيائي فرنسي. كان يلقب بـ "أبو الفلسفة الحديثة". كان من الشخصيات العامة في تاريخ الثورة العلمية لما ترك من أثر في الرياضيات، وأثر في الفلاسفة من بعده الذي اعتمدوا على أعماله في تأسيس فلسفاتهم. ويعتبر ديكارت أنه الشخصية الرئيسية في مذهب العقلانية، وهو صاحب عبارة الكوجيتو الشهيرة: "أنا أفكر إذًا أنا موجود".
يُذكر أن ديكارت كان ذا أثر كبير جدًا على علم التشريح، ويظهر ذلك جليًا في كتابه "مبحث حول الإنسان"، حيث استطاع من خلاله أن يضفي صبغة عقلية لن تنتهي طوال تاريخ العمل الطبي. كذلك فقد أخذ ديكارت بعين الاعتبار ضرورة التشريح الذي يجعلنا قادرين على فهم علاقة الجسم بأجزائه، وذلك سيكون أساسًا متينًا للكثير من الدراسات حول التشريح مستقبلًا.
يذكر ديكارت في كتابه المسبوق الذكر التالي: "وإنني إذ أصف لكم أعصاب الإنسان فإنني أشبّهها بأنابيب المياه، مثلما أشبّه العضلات بالطاقة المحرّكة للآلة، وأشبّه النفس الحيوانية بالمياه السائلة حيث القلب منبعها والدماغ مَصبّها".
كان ديكارمتأثرًا بمدرسة التشريح الهولندية والإيطالية، وجميع ما استطاع أن يجمعه من أولئك العلماء قام بعرضه في كتابه "وصف الجسم البشري".
كان أحد أهداف ديكارت هو تحديد نموذج لفلسفته يتفوق فيها على فلسفة أرسطو، وكان ذلك من خلال عمله على تدقيق ما يتضمنه كتاب "وصف الجسم البشري" بالإضافة لتطوير الأفكار الموجودة في كتاب "مبحث حول الإنسان". ويقول الباحث المعاصر غينانسيا بهذا الخصوص: "الحقيقة أنه قد مرّ زمانٌ لم يعد فيه أرسطو هو سيّد الفلاسفة والحكماء، غير أنّ النظام المعمول به لم يكن قد استُبدل بنظام آخر أفضل منه".
في النهاية، تستطيع الفلسفة الديكارتية بلا أدنى شك أن تحمل التشريح من منزلة الأفكار الميتافيزيقية إلى مستوى التحرير. وإن كان قد عمل على تقسيم الإنسان سابقًا إلى نفس وجسد في كتابه "وصف الجسم البشري"، فإنه يقول لعلماء التشريح أن عليهم التركيز بشكل أساسي فقط على الجسد. ومن هنا، حيث ضيق نطاق البحث وجعل علم التشريح مقتصرًا على الجسد دون النفس، فكأنه وضع الأساس المتين لعلم التشريح لينمو معرفيًا.