كفر الكافر هو اختيار من الكافر وقدر من الله في الوقت ذاته !
وتوضيح ذلك :
أن الكفر والإيمان هي من الأفعال الاختيارية التي للإنسان فيها اختيار وإرادة يحاسب عليها وهي محل الثواب والعقاب ، ولا يشعر الإنسان أنه مضطر أو مكره أو ملجأ على اختيار معين في هذا الباب.
ولكن في المقابل فإن هذه الإرادة للإنسان خاضعة لإرادة الله تعالى لا تخرج عنها ، فلا يكون في ملك الله وأرضه ما لا يريد كونه .
وهذا الأمر وهو أن للإنسان مشيئة يحاسب عليها وأن هذه المشيئة لا تتم إلا بمشيئة الله ،ومن ضمن ذلك الكفر أو الاستقامة نص عليه القران نصاً واضحاً لا لبس فيه في موضعين :
الأول : في سوةر الإنسان : قال الله تعالى ( إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ ۖ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) ) .
الثاني : في سورة التكوير : قال الله تعالى : ( لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29) ).
وكذلك الأحاديث فيها نصوص واضحة على أن الإيمان والكفر بقدر من الله ففي الحديث المتفق عليه " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذات يوم جالسا وفي يده عود ينكت به، فرفع رأسه فقال: ما منكم من نفس إلا وقد علم منزلها من الجنة والنار، قالوا: يا رسول الله فلم نعمل؟ أفلا نتكل؟ قال: لا، اعملوا، فكل ميسر لما خلق له، ثم قرأ: فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى {الليل: 6} إلى قوله: فسنيسره للعسرى {الليل: 10} "
وهذا أمر متفق عليه بين أهل السنة والجماعة ،أن اختيار العبد للكفر أو الإيمان إنما هو بمشيئة الله واختياره وتيسيره ، والله يعطي العبد مساحة للاختيار والمشيئة يحاسبه عليها
ومعنى أن كفر العبد وإيمانه خاضع لمشيئة الله وإرادته ، أن الله هو الذي ييسر للعبد اختيار الإيمان ويتفضل عليه بأسبابه فيشرح صدره ، وأما من قدر الله له الكفر فإنه لا يفتح صدره للإيمان وإن كان يقيم الحجة عليه في ذلك
فالله يعدل بين عباده فيمنح الجميع العقل ويقيم عليهم الحجة فيريهم الآيات الدالة على وحدانيته وألوهيته ويبلغهم أحكامه وشرعه ، ثم هو سبحانه يتفضل على بعضهم فيشرح صدرهم ويفتح قلبهم للإيمان لأنه سبحانه يعلم أنهم أهل لهذه النعمة ،ولا ينعم على آخرين بالإيمان فيختارون الكفر لأنه سبحانه يعلم أنهم ليسوا أهل لهذه النعمة
سيبقى سؤال : هل يمكن أن يكون خضوع مشيئة العبد لمشيئة الله عذر وحجة للعبد أمام الله أنه مجبور على الكفر ؟
والجواب :
ليس بحجة أبداً لأسباب :
1. أن العبد له اختيار يحاسب عليه كما نص الله ( لمن شاء منكم ..) ،فليس الأمر إجباراً .
2. أن العبد لا يشعر أنه مجبور وأنه مضطر لاختيار معين بل هو في قرارة نفسه يشعر أنه حر الإرادة والاختيار .
3. أن العبد لا يعلم اختيار الله حتى يشعر أنه مضطر لاختيار معين وهذا معنى ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له ).
4. أنه لو كان القدر حجة للكافر على كفره ،فليكن حجة للسارق على سرقته و للقاتل على قتله والمعتدي على اعتدائه ، فهل يقبل الكافر إذا اعتدى عليه معتد أن يعتذر هذا المعتدي بالقدر ؟! فلا تستقيم الحياة بالاحتجاج بالقدر أبداً .
والله أعلم