أؤيد الإحتمالين, ولكنني بحثت كثيراً عن دليل علمي على
أصل الذكاء، واكتشفت أنه من أكثر الأمور إثارة للجدل بين محيط العلماء، يختلف العلماء كثيراً حول هذا المحور، وأصل اختلافهم ينبع من سؤال كبير في علم النفس، أيهما أكثر أهمية، الطبيعة أم التطبّع؟ الأصل أم التعزيز؟
مؤخراً اتفق بعض العلماء على أن الطبيعة أو الجينات، والبيئة، عاملين مهمين مؤثرين على الذكاء. ويمكننا القول أن مسألة الاختيار بين هذين العاملين قد حُلّت. والآن لدينا مسألة أي منهما له التأثير الأكبر؟
في دراسات أجريت مؤخراً على التوائم، وهو بالمناسبة نوع مشهور من الدراسات اسمه Twin Studies, تبيّن أن الجينات تلعب الدور الأكبر في تحديد ذكاء الفرد، إلا أنه لا يوجد جين محدد مسؤول عن الذكاء، بل هو ترابط وتفاعل العديد من الجينات. تقترح هذه الدراسات أن معدل ذكاء التوائم المتطابقين متقارب أكثر من معدل ذكاء التوائم غير المتطابقين أو المتماثلين. ونتيجة أخرى لهذه الدراسات، فإن معدل ذكاء الأخوة الذين ولدوا وكبروا في نفس المنزل، متقارب أكثر من معدل ذكاء الأخوة المتبنين، الذين ولدوا في أماكن مختلفة ولكن عاشوا وكبروا معاً في بيئة واحدة.
كما أن هناك عوامل بيولوجية أخرى تلعب دوراً في صحة العقل ومعدل الذكاء غير الجينات. عمر الأم أثناء الحمل والولادة، تعرض الأم للمخدرات أو الكحول أو سوء التغذية أو حتى العنف أثناء فترة الحمل. كل هذه الأمور يجب أن تؤخذ في الحسبان عند دراسة معدل ذكاء الإنسان، فلها تأثير جلل.
أما عن دور البيئة وتأثيرها في الذكاء، فقد ساعدت كثيراً الدراسات التي أجريت على التوائم على فهم سياسة البيئة في تغيير الذكاء واللعب به. أثبتت الدراسات أن التوائم المتطابقين الذين يعيشون في بيئات مختلفة، لهما معدل ذكاء مختلف عن بعضهما، مقارنة بالتوائم الذين يعيشون في نفس البيئة. أي أن تغيّر البيئة على الفرد يغيّر من طريقة التفكير والتحليل (الذكاء) حتى لو كان لهذا الفرد توأم متطابق في بيئة أخرى.
المدرسة عنصر مهم من العناصر المؤثرة على الذكاء، حضور الطفل إلى المدرسة أو غيابه عنها، طريقة المدرسة في التعليم وإيصال الفكرة واستخدامها للتلقين أو تجنبها له. أي أن حضور الطفل للمدرسة ليس علامة دائمة على دورها في تحسين ذكائه، بل من الشائع والممكن جداً أن تلعب المدرسة دوراً في التبلّد العقلي والتجمّد الفكري.
تقترح بعض الدراسات أيضا أن الابن البكر لكل عائلة، يتميز بأعلى معدل للذكاء بسبب أنه كان يحظى بأكبر رعاية واهتمام من والديه، لكونه الطفل الأول لهما. يجتهدان في تعليمه وتثقيفه، ويتراجع اهتمامهما هذا مع زيادة عدد الأبناء. ولكنني بصراحة لا أتفق مع هذه الفكرة، حيث أنها نادرة الثبوت، وإن ثبتت، فإنها بمحض الصدفة برأيي. فالإهتمام والرعاية غير كافيين لتنشئة طفل متقد الذكاء، والعوامل المؤثرة الأخرى قد تملك اليد العليا.