الحضارة العربية الإسلامية بدأت بظهور الإسلام وبعثة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فأعظم مظاهر هذه الحضارة هو الدين الذي حملته للبشرية وهو الإسلام وكان بداية ذلك ببعثة رسولنا ودعوته إلى توحيد الله تعالى ، وكان هذا بعد مدنية اليونان - أو حضارتهم- بقرون كثيرة ، فمدنية اليونان في أثينا وروما كانت قبل الميلاد بسنوات طويلة ، بينما بعثة رسولنا صلى الله عليه وسلم كانت في القرن السابع الميلادي ،لذلك لا يصح القول أبداً أن الحضارة العربية الإسلامية هي نواة الحضارة اليونانية .
كما لا يصح أن القول أن المدنية - أو الحضارة - اليونانية هي نواة الحضارة العربية الإسلامية ، لإن الحضارة الإسلامية لها هويتها وشكلها المميز ، وكون الشيء نواة لشيء آخر يعني أنه أساسه ومركزه وأنه يدور حوله وهذا مخالف تماماً للواقع ،إذ مدنية اليونان مدنية وثنية قائمة على خرافات الإلهة وحكم الشعب بزعمهم إضافة إلى فلسفتهم وطرازهم المعماري والعيش لأجل الدنيا فقط ، بينما الحضارة الإسلامية قائمة على توحيد الله وحاكمية شريعته ورسالتها إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، فشتان بين الحضارة الإسلامية الربانية الإلهية المستمدة من السماء وبين مدنية اليونان وحضارتهم المستمدة من أفكار أرضية بشرية !
سارت مشرقة وسرت مغرباً شتان بين مشرق ومغرب !
فلا الحضارة الإسلامية هي نواة لحضارة اليونان ولا حضارة اليونان هي نواة لحضارة الإسلام.
ولكن هذا لا ينفي أن المسلمين في مرحلة من تاريخهم أخذوا بعض كتب اليونان وترجموها إلى العربية وحاولوا الاستفادة منها خاصة في زمن الدولة العباسية وفي زمن المامون بشكل أخص ، حيث ترجمت كثير من كتب منطق اليونان وفلسفتهم وبعض كتبهم في العلوم التجريبية كالرياضيات والفلك والطب ، وقد استفاد بعض علماء المسلمين من مؤلفاتهم في العلوم التجريبية وبنوا عليها وصححوا بعض أخطائهم فيها ، أما كتبهم في المنطق فإنها كانت سبباً لظهور خلافات عقدية وفرق مبتدعة لما حاول بعضهم الاستفادة من منطق اليونان في التقعيد لعلم العقيدة فأضر ذلك كثيراً وما نفع ، حيث ظهر علم الكلام الذي كان سبباً لظهور نزاعات وبدع في الأمة .
فمثل هذه الاستفادة وقعت بغض النظر عن نتيجتها ونفعها وضررها ولكنها لا تجعل حضارة اليونان نواة لحضارة المسلمين .
كما أن المدنية الغربية اليوم استفادت كثيراً من حضارة المسلمين كما هو معلوم خاصة في الجوانب التشريعية والمدنية المعمارية والطبية وغيرها كما هومذكور سواء في مصادر الغرب أو مصادر المسلمين .
والله أعلم