هل اذا كان الوالد صالحا فإن الله يحفظ ذريته بصلاحه؟

1 إجابات
profile/دمحمد-الطويل-1
د.محمد الطويل
دكتوراة في الفقه وأصوله (٢٠١٠-٢٠١٣)
.
٢٨ ديسمبر ٢٠٢٠
قبل ٤ سنوات

نعم ، إن صلاح الوالد وتقواه لربه سبب من الأسباب التي يحفظ الله بها ذرية العبد ويبارك له فيهم ، ويهديهم ويوفقهم ويجعلهم قرة عين لوالديهم ، ويحفظهم بذلك بعد موت الوالد ، ويهيء لهم من الأسباب ما يحفظهم ويعينهم به 

جاء في قصة موسى عليه السلام مع الخضر عليه السام في قصة الكهف :
(فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ). 

وفي آخر القصة لما نَبَأَ الخضر  مُوسَى -عليه السلامُ- بِحقيقة فعله وسببه  قَالَ: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ).

قَالَ ابنُ كَثِيرٍ -رحمه الله-: "(وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا): فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ الصَّالِحَ يُحفَظُ فِي ذُرِّيَّتِهِ، وَتَشْمَلُ بَرَكَةُ عِبَادَتِهِ لَهم فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، بِشَفَاعَتِهِ فِيْهِم، وَرَفْعِ دَرَجَتِهِم إِلَى أَعْلَى دَرَجَةٍ فِي الجَنَّة، لِتَقَرَّ عَيْنُهُ بِهِم، كَمَا جَاءَ فِي القُرْآنِ وَوَرَدَتِ السَّنَّةُ بِهِ، وَقَدْ ذُكِرَ أنَّه الأَبُ السَّابِعُ، وقِيلَ: العَاشِرُ. وَأَيًّا كَانَ، فَفِي الآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ صَلَاحَ الآبَاءِ يُفِيدُ العِنَايَةَ بِالأَبْنَاءِ".  

فانظر إلى هذا الحفظ الآلهي للأولاد مع أن بعض أهل التفسير ذَكَرُوا أَنَّه كَانَ بَينَ الغُلَامَينِ اليَتِيمَينِ وَبَيْنَ أَبِيهِمَا الصَّالِحِ سِتَّةُ آبَاءٍ!

وَعَن ابنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قال: "حُفِظَا بِصَلَاحِ أَبِيهِمَا، وَلَمْ يُذْكَرْ لَهُمَا صَلَاحٌ". 

وروي في حديث : أن رجلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-, فَقَالَ: إِنَّ أَبِي كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ, وَيَفِي بِالذِّمَّةِ, وَيُكْرِمُ الضَّيفَ, فقَالَ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم-: "ماتَ قَبْلَ الإسْلامِ؟!"، قَالَ: نَعَمْ, قَالَ: "لَنْ يَنْفَعَهُ ذَلكَ", فَوَلَّى, فَقَال رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "عَليَّ بالشَّيْخِ", فَجَاءَ, فَقالَ رسُول اللّهَ -صلى الله عليه وسلم-: "إنّها لَنْ تَنْفَعَهُ, وَلَكِنّها تَكُونُ فِي عَقِبِهِ, فَلنْ تَخْزَوْا أبَدًا, وَلَنْ تَذِلُّوا أبَدًا, وَلَنْ تَفْتَقِرُوا أبَدًا".( رواه الطبراني في المعجم الكبير ) 

فهذا الأب كان كافرا ورغم ذلك كان إحسانه سببا في البركة لعقبه ، فكيف بالمؤمن ؟!

وعن سَعِيدُ بنُ المُسَيّبِ –رضي الله عنه- فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "إِنِّي لَأُصَلِّي فَأَذْكُرُ وَلَدِي فَأَزِيدُ فِي صَلَاتِي رَجَاءَ أَنْ أُحْفَظَ فِيهِ". 

وُرُوِيَ عَن بَعْضِهِم أَنَّه قَالَ لِابْنِهِ: "إِنِّي لَأَزِيدُ فِي صَلَاتِي مِنْ أَجْلِكَ يَا بُنَي".

قالَ محمدُ بنُ المُنْكَدِرِ -رحمه الله-: "إِنَّ اللَّهَ لَيَحْفَظُ بِالرَّجُلِ الصَّالِحِ وَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ وَالدُّوَيْرَاتِ الَّتِي حَوْلَهُ، فَمَا يَزَالُونَ فِي حِفْظٍ مِنَ اللَّهِ وَسِتْرٍ".

وَقَالَ وَهْبُ بنُ مُنَبِّهٍ -رحمه الله-: "إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَيَحْفَظُ بِالعَبْدِ الصَّالِحِ القَبِيلَ مِنَ النَّاسِ".

فهذه الآثار وغيرها دالة على هذا المعنى .

ولكن هذا لا يعني أن من شرط ذلك أن يحفظ  الله له كل ولده ،بل قد يكون في قدر الله أن يكون أحد أبنائه على خلاف هدي والده ويكون فاجرا لحكمة يعلمها الله سبحانه ، وهو أعلم بخلقه وما يصلح لهم ، كما جرى مع سيدنا نوح عليه السلام وهو من أولي العزم من الرسل ، ومع ذلك مات ابنه كافرا رغم نصح والده له ، كما هو مذكور في قصته في سورة هود .

والله أعلم