لم أكن من الناس الذين يعشقون السير تحت المطر حتى وقت ليس ببعيد، فكنت أختبئ منه وأجد أنه يسبب الاتساخ للأشخاص والأماكن، ويكون الجو فيه كئيباً وبارداً ويسبب مشكلات صحية، ويذكرني بالأشخاص الذين لا مأوى لهم.
فعندما كنت طالبة في الصف الخامس في المدرسة، نزل المطر أثناء وقت الاستراحة بينما كنا في الساحة، فابتلت ملابسي وشعري حتى صرت أتصبب ماءً، وعندما انتهى وقت الاستراحة ودخلنا إلى الصف، قدمنا اختباراً صغيراً في مادة الكيمياء، وعندما انتهينا أخذت أحرك رأسي يميناً ويساراً بسرعة حتى تنشف ظفيرتي الغارقة في الماء، فتسبب ماء المطر الذي تطاير من شعري بالبلل للأوراق التي كانت في يد المعلمة المشهورة بالعصبية والتكبر، فأمسكت بمجموعة الأوراق المبتلة بطرف أصابعها ونظرت إلينا لتكتشف من منا قام بهذا، ولكنها لم تعرف أنني أنا، فرمت بالأوراق في سلة المهملات ووبخت جميع طالبات الصف، وجعلتنا نقوم بإعادة الاختبار عقاباً لنا.
وأيضاً حدثت معي قصة عندما كنت موظفة جديدة في إحدى الإذاعات الأردنية.. فقد تعطلت سيارتي فقررت أن أركب تكسي للذهاب للعمل، كان الجو ماطراً وبارداً للغاية وكانت الشوارع غارقة في المطر وكان الضباب يملاً الفضاء. وبينما كنت واقفة بانتظار التكسي مرت سيارة مسرعة فرشتي بالماء من أعلى رأسي وحتى قدميّ، فاضطررت أن أعود للمنزل لأخذ دوش ساخن وتغيير ملابسي فتأخرت على الدوام طبعاً، وشعرت بالإحراج واصة أنني كنت جديدة آنذاك.
هذه المواقف التي أذكرها والتي لم أكن أستلطف المطر بسببها، إضافة لأجوائه النكدية نوعاً ما والأسباب التي ذكرتها في البداية.
لكنني الآن لم أعد كذلك؛ فقد تغيرت ربما لأنني أصبحت أوعى وأهتم أكثر بعلم الطاقة، وتعودت على رؤية الجانب المليء من الكأس... فأنا الآن أحب المطر وأنتظر نزوله لأشغل سيارتي وأذهب إلى مكان بعيد فأنزل منها وأتمشى تحته، وأجمع حبات المطر لأغسل بها وجهي ومقدمة شعري فأحس أنني أستمد منه طاقة إيجابية كبيرة جداً تشحنني بالحب والإيجابية. كما أنني أحبه لأنه فرصة كبيرة للدعاء الذي لا يرد، فأعتبر وكأنه علامة تبشرني بتحقق الأمنيات، فأرفع يدي إلى السماء وأدعو الله بما أريد، وخاصة إذا كان المطر مصحوباً بالرعد.
فتحولت مشاهدي مع المطر الآن إلى مشوار بالسيارة تحته وأنا أستمع للموسيقى وأصور هذه اللحظات الرائعة وأحتفظ بها في هاتفي المحمول، وأحياناً أشاركها مع الأصدقاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وإلى مشاهد أنسى فيها نفسي وأنا أغمض عيني وأتمشى تحته بسرور لأحس بأنه يغسلني من الداخل من الهموم فيخفف عني الحمل الذي أحمله على ظهري، وكذلك مشهد يصورني والأمل يملؤنا باليقين بأن الله تعالى لن يرد طلبي ولن يقبل بأن يرد يديّ فارغتين عندما أمدهما إليه راجية تحقيق الدعوات.
هذه دعوة لك صديقي ولكل من يقرأ إجابتي هذه بألا يضيع فرصة نزول المطر، وأن يستغلها بالاستفادة من المشي تحته سيراً على الأقدام أو حتى بالسيارة إن تعذر المشي فيه، فجميع الأطباء والباحثون في علم الطاقة ينصحوننا بذلك لتفريغ الطاقة السلبية وكسب الطاقة الإيجابية، وتفريغ ما في النفس من هموم والتحدث إلى الله تعالى لنطلب منه ما نشاء في هذه الأجواء الهادئة المناسبة لاستجابة الدعاء -مع أن الله تعالى قريب منا دائماً ويستجيب للسائل منا- إلا أن أجواء المطر مفضلة وأقرب للاستجابة.
ولكن لنتذكر جميعاً الناس الذين لا مأوى لهم أو الفقراء، وكيف يعانون وقت نزول المطر لنخرج لهم الصدقات عن طيب خاطر بما تتكرم به أنفسنا، لنحميهم مما يتسبب به المطر من أمراض وآلام وبرد وخراب لبيوتهم البسيطة.
أخيراً أريد أن ألخص لأقول بأن المطر حياة وطاقة وتجدد لأرواحنا بالفعل قبل أن يكون كذلك للأرض والنباتات؛ فأجسادنا وأرواحنا كالأرض فهي من تراب... تموت وتذبل وتصبح قاحلة دون المطر، فلنستغله لنحييها من الداخل لتزهر وتنبض بالحياة.