قام العباسيون ببناء مدينة" العسكر" بديلًا عن مدينة " الفسطاط" التي بُنيت عند فتح مصر وأصبحت عاصمتها ومقر دواوين العرب وعساكرهم حتى 113 عاماً. حيث بناها الوالي العباس صالح بن علي كعاصمة عسكرية عام 752 هـ، وبقيت عاصمة العباسيين في مصر حتى عام 870 هـ. وسبب خراب الفسطاط لجوء الوالي الأموي مروان بن محمد الجعدي سنة 133 هـ، ولحقته الجيوش العباسية، فأحرق مباني المدينة والجسر الرابط بين الروضة ومدينة الفسطاط، ليتم فيما بعد قتله في قرية بوصير على يد صالح بن علي بن عبد الله بن العباس، وأبو عون عبد الملك بن يزيد والاستيلاء على الفسطاط، بعد قتال عنيف مع الأمويين وحرقها، وقتل المتمردين وتعليق رؤوسهم في جامع عمرو بن العاص، والطواف برأس مروان بن محمد في المدن القريبة دلالةً على انتقال الخلافة من الدولة الأموية للدولة العباسية. ثم نزل العسكر بمنطقة خراب فضاء أو جبل يشكر، فبنوا بها وسميت مدينة الفسطاط والعسكر. حيث امتدت من شمال الفسطاط وحدها الجنوبي عند كوم الجارح. وقد قيل أن العباسيين أبوا السُكنى في الفسطاط بسبب ازدحامها، ورأي آخر وجد أن السبب هو حرقها ورغبة بتغيير العاصمة بما يمثلهم. أُنشئت في مكان عرف بصدر الإسلام باسم" الحمراء القصوى".
وفي هذه المدينة الجديدة التي أنشئت دار الإمارة، أي مقر حكومة وولاة العباسيين. ليقوم ببناء
الفضل بن صالح بن عليّ بن عبد الله بن عباس في ولايته إمارة مصر عام 1169 هـ جامع العسكر، ملاصقا لشرطة العسكر التي كانت يقال لها الشرطة العليا، وكان ذلك بسبب امتلاء المدينة بالبساتين والبيوت والأسواق مع اتصالها بمدينة الفسطاط. فضاق الجامع الأول فيها وهو "جامع عمرو بن العاص" بمن يصلون به، فرأى الفضل ضرورة بناء جامع آخر في مدينة العسكر جنبًا إلى جنب دار الإمارة. وجعل له بابًا فيها حتى يتمكن الأمير أو الوالي من الدخول والخروج إليه بسهولة. حيث بقي الناس في الفسطاط، ومنع عليهم البناء في العسكر، إلا بعد 67 سنة من بنائها، في عهد السريّ بن الحكم عام 201 هـ، لتنمو بالسكان وتزدهر وتتسع رقعتها، حيث كانت شوارعها كما الفسطاط، ضيقة متعرجة، ذات مباني تضاهي مثيلاتها في الفسطاط ودون أسوار. كما ضمت مقرًا خاصًا بالشرطة، بالإضافة لمقر الشرطة بالفسطاط.
أصبحت العسكر عاصمة ومركز رئيسي للنشاط التجاري، وارتبطت بالفسطاط حتى استعادت مكانتها، وكونتا مدينة موحدة قوية عرفت باسم مدينة"مصر ". حيث استقبلت 65 واليًّا من العباسيين، لمدة قاربت 120 عامًا من تاريخ الدولة العباسية. حتى نزل بها أحمد بن طولون بها وبنى مدينة القطائع، فهجرها فأصبحت تلقب العاصمة بالفسطاط والقطائع. وعندما ابن طولون مسجده، انقطع الناس عن الصلاة في مسجد العسكر، وظل باقيًا حتى عام 517 هـ وعُرف بجامع ساحل الغلة، حيث أن مدينة العسكر حينئذ كان قد خربت وخرب جامعها وحملت أنقاضه، وصار الجامع بساحل مصر.
ويرى بعض المؤرخين عدم استطاعة أهل مدينة العسكر الحفاظ على تراثها بسبب فساد وسوء إدارة الولاة، واندلاع العديد من الاحتجاجات والثورات ضدهم. ويحفظ للخليفة الفاطمي المعز لدين الله، ببناء دارة للإمارة في مدينة العسكر لإقامة عمه أبي علي. ولاحقًا أدت الثورات والاحتجاجات من فئات المجتمع بخراب مدينة العسكر، وازداد الخراب بدخول الفاطميين لمصر، حتى تحول لأنقاض في عهد الشدة المستنصرية في القرن الخامس الهجري. والتي حدث بها العديد من المجاعات والأوبئة الفتاكة، ليهلك أغلب سكانها والقطائع. وهجرها من تبقى ممن لمن يهلك بسبب وحدته بعد خرابها. قام الوزير الحسن بن علي اليازوري ببناء سور لفصل المدينة وطريقها من القاهرة للفسطاط حتى لا تُرى الخرائب من قبل الخليفة عند مروره بقربها. وبقي استخدامها كمحجر بناء، استعان الناس بها للتزود بالحجارة لإعمار مباني الفسطاط.
المصادر:
كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٤ العسكر بنيت أول الأمر لإيواء عسكر الجيش العباسي