يمكن تقسيم المراحل التي تم بها علم التفسير منذ نشأته إلى تدوينه واستقراره إلى خمسة مراحل :
المرحلة الأولى: التفسير في عصر التشريع و عهد النبي عليه الصلاة والسلام ، حيث نزل القران بلسان عربي مبين هو لغة من بعث فيهم النبي وأنزل عليه القران ، فكان معنى القران وما خوطبوا به واضحا يفهمونه بمجرد تلاوته عليهم ، وإن أشكل شيء أو خفي عليهم معناه أو كان بحاجة إلى توضيح كان النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي يتولى تفسيره وتوضيحه وبيان مشكله وتفصيل مجمله.
المرحلة الثانية : في زمن الصحابة رضي الله عنهم ، حيث كان التفسير يتلقاه الصحابة مما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك ، فمن أشكل عليه معنى آية سأل غيره من الصحابة إن كان لديه علم عن تفسير هذه الآية سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فإن لم يجدوا علما في ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام اجتهدوا في ذلك بحسب لغة العرب وفهمهم للقران ومعرفتهم بأسباب النزول وغير ذلك من أدوات التفسير .
وكان لهم في ذلك اليد العليا والسبق لأنهم شاهدوا التنزيل وعايشوا الآيات ونزولها ،فهم أعلم الناس بمقاصدها ومعانيها، علاوة على انهم كانوا عربا أقحاحا .
وكان ابن عباس رضي الله عنه من المبرزين في ذلك ببركة دعاء النبي عليه السلام له : ( اللهم فقه الكتاب وعلمه التأويل ) ، فاستحق أن يسمى ترجمان القران رضي الله عنه .
المرحلة الثالثة وهي مرحلة التابعين : وفيها كان التابعون يتلقون التفسير عن الصحابة رواية ودراية ، ولا يعدون قولهم واجتهاداتهم فيها ، إلا إن لم يجدوا قولا لهم في ذلك فكانوا يجتهدون بموجب ما فهموه وتلقوه منهم إضافة إلى أسباب النزول واللغة العربية وغير ذلك من أدوات التفسير ، ولكن ظهر في هذا العصر دخول الإسرائيليات في التفسير مما تلقاه البعض من كلام أهل الكتاب الذين دخلوا في الإسلام ككعب الأحبار أو قراءة بعض التابعين لكتبهم .
واشتهر من التابعين جماعة في التفسير خاصة تلاميذ ابن عباس رضي الله عنه منهم : مجاهد بن جبر ، وسعيد بن جبير ، عطاء بن أبي رباح ، واشتهر قتادة رحمهم الله جميعا.
والتفسير في المراحل الثلاث كان رواية ولم يدون .
المرحلة الرابعة : وهي المرحلة التي بدأ فيها تدوين العلوم الشرعية والسنة خاصة ، حيث دونت والسنن والآثار ، وكان من ضمن الآثار والأحاديث التي دونت ما فيها تفسير لبعض الآيات سواء عن النبي أو عن الصحابة أو التابعين .
إلا أن هذه الآثار لم تكن مستقلة وحدها ابتداء وإنما كانت مذكورة من ضمن المسانيد والمصنفات التي دونت حفظا للآثار وأسانيدها ، كمصنف عبد الرزاق الصنعاني وغيره.
ثم بدأ العلماء يجعلون التفسير قسما منفصلا في التدوين فبدأوا تدوين وكتابة كتب التفسير ، حتى أصبح التفسير علما مستقلا قائما بنفسه شاملا لآيات القران وسوره مرتب حسب ترتيب المصحف ، و يذكر ابن تيمية وغيره أن أول من صنف في التفسير بهذه الطريقة هو عبد الملك بن جريج .
ومن أشهر من ألف في هذه المرحلة: ابن جرير الطبري في كتاب جامع البيان عن تأويل آي القران ، والذي ما يزال مرجعا رئيسا في التفسير بالمأثور واللغة وذكر الآثار وأسانيدها وأقوال السلف ، فمن جاء بعده من المفسرين فهم عيال عليه في ذلك ، حتى استحق رحمه الله أن يسمى بشيخ المفسرين .
المرحلة الخامسة : وهي التي ظهرت فيها اتجاهات مختلفة في التفسير بحسب تخصص صاحبها ومقصده من التفسير :
- فظهرت كتب التفسير التي تهتم بآيات الأحكام والتي تركز على الأحكام الفقهية المستنبطة من آي القران ، ومن أشهر ما دون في ذلك وأجمعه ( الجامع لأحكام القران ) للإمام القرطبي .
- وظهرت كتب التفسير التي تركز على الناحية اللغوية في القران وبلاغته : مثل الكشاف للزمخشري - وإن كان دس ضمنه شيئا من اعتقاداته الاعتزالية الفاسدة - ، وتفسير روح المعاني للألوسي وهو من المتأخرين.
- وظهرت كتب التفسير التي تركز على الإعراب وتصريف الكلمات : مثل البحر المحيط لأبي حيان .
وهذا غير كتب التفسير التي حافظت على التفسير بالمأثور كتفسير ابن كثير رحمه الله الذي يعد من أحسن الاختصارات لتفسير الطبري رحمه الله .
وفي عصرنا ظهرت بعض الكتاب التي تحاول التركيز على ربط القران بالواقع وتنزيل آياته عليه ، وكذلك بعض التفاسير التي ركزت على الناحية العلمية .
والله أعلم.