أظنك تقصد الصحابي معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه الذي أجاب العاطس في الصلاة، والتي حصل فيها موقف تربوي وتعليمي جميل من النبي عليه الصلاة والسلام، وهي الأشهر في هذا الباب.
والقصة كما رواها الإمام مسلم في صحيحه عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال:
"بيْنَا أنَا أُصَلِّي مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ، فَقُلتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَرَمَانِي القَوْمُ بأَبْصَارِهِمْ، فَقُلتُ: واثُكْلَ أُمِّيَاهْ، ما شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بأَيْدِيهِمْ علَى أفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَبِأَبِي هو وأُمِّي، ما رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ ولَا بَعْدَهُ أحْسَنَ تَعْلِيمًا منه، فَوَاللَّهِ، ما كَهَرَنِي ولَا ضَرَبَنِي ولَا شَتَمَنِي، قالَ: إنَّ هذِه الصَّلَاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شيءٌ مِن كَلَامِ النَّاسِ، إنَّما هو التَّسْبِيحُ والتَّكْبِيرُ وقِرَاءَةُ القُرْآنِ أَوْ كما قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ.."
فمعاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه تكلم في الصلاة، وأجاب وهو يصلي العاطس وشمته، وهذا لا يجوز لأن فيه مخاطبة للغير، وهو ممنوع في الصلاة، ثم أضاف على ذلك ما فعله من استغرابه من نظر الصحابة إليه حتى ضربوا على أفخاذهم، إلى آخر القصة.
وفي القصة من الفوائد ما يأتي:
1. حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم ورأفته بأمته؛ حيث لم يعنف ولم يرفع صوته، وإنما اكتفى ببيان الحكم الشرعي بكل هدوء ورفق، وكان هذا أدعى لقبول الصحابي لموعظة النبي عليه الصلاة والسلام واستجابته له. والنبي عليه الصلاة والسلام قدوة لنا في ذلك، فالتعليم للناس يجب أن يكون بالرفق والحسنى، فما وجد الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه.
2. مراعاة أحوال الناس وجهلهم.
3. أن الكلام المتعمد من مبطلات الصلاة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أقرّ الصحابة على إنكارهم، وإن كان خالفهم في الطريقة. وقد كان الكلام في الصلاة في أول الإسلام مباحًا، ثم نسخ بقوله تعالى(حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) سورة البقرة الآية (238).
4.أن كلام المخطئ والجاهل في الصلاة لا يبطلها على الراجح؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يأمره بإعادة الصلاة ولم يحكم ببطلانها.
والقصة لها تكملة وبقية؛ حيث إن حسن تعليم النبي عليه الصلاة والسلام جعل الصحابي معاوية يُقبل على سؤال النبي ويتشجع؛ حيث سأله على ما اشتهر عندهم من الكهانة وصورها وأشكالها، وذكر في آخر قصته عتقه لجاريته المؤمنة بعد ضربه لها. وهذا يفيد أن من آثار الرفق في التعليم إقبال المتعلم على المعلم ورغبته في الازدياد منه؛ بينما الغلظة تنفر الطالب والمتعلم وتجعله غير راغب في أخذ المزيد.
وقد وقعت قصة أخرى لصاحبي آخر عطس في الصلاة وهو رفاعة بن رافع بن مالك الأنصاري رضي الله عنه حيث قال :
(صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطست، فقلت : الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، مباركًا عليه، كما يحب ربنا ويرضى) فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف قال : (من المتكلم في الصلاة ؟) فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثانية : (من المتكلم في الصلاة ؟) فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثالثة: (من المتكلم في الصلاة ؟) فقال رفاعة بن رافع : أنا يا رسول الله، قال : (كيف قلت ؟) قال : قلت : (الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، مباركًا عليه، كما يحب ربنا ويرضى)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (والذي نفسي بيده ، لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكاً أيهم يصعد بها). (والحديث أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي ، وقال الترمذي : حديث حسن).
وروى الحديث أيضًا الإمام البخاري، ولكنه لم يذكر أن الصحابي ذكر هذا الدعاء بعد العطاس، وإنما ذكر أنه قاله بعد الرفع من الركوع، والظاهر أن رفعه من الركوع قارن عطاسه فقال ذلك.
وفيه من الفوائد :
1. جواز حمد الله بعد العطاس في الصلاة وأن ذلك ليس بمبطل لها.
2. الفضل العظيم لهذه الصيغة في الحمد.
3.تعظيم الصحابة للنبي عليه السلام حيث استحى الصحابي أن يجيب ابتداءً.
والله أعلم