بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام ضحى الاثنين اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليتشاوروا في أمر اختيار الخليفة بعد رسول الله ، وقد ظنوا أن لهم حقا في ذلك ، فأدركهم أب، و بكر وعمر أو عبيدة بن الجراح من المهاجرين وبين لهم أبو بكر أن الأئمة من قريش كما أخبر النبي عله الصلاة والسلام ، وأشار عليهم ببيعة أحد الرجلين عمر أو أبو عبيدة ، لكن عمر بين أن أبا بكر أحق الناس بالخلافة فبايعه وتتابع من حضر السقيفة على بيعته وأقروا وأذعنوا ، ثم في يوم الثلاثاء تمت البيعة العامة لأبي بكر الصديق في المسجد من المسلمين الموجودين ، وخطب هناك أبو بكر خطبته المشهورة .
هذا مخلص الأحداث كما روي بأسانيد صحيحة، وبناء عليه فلم تكن هناك خطبة بمعنى الخطبة العامة لأبي بكر في سقيفة بني ساعدة وإنما كان نقاشا وحوارا مع الأنصار هناك ، أما الخطبة العامة فكانت في المسجد في اليوم التالي لبيعة السقيفة .
قال ابن كثير في البداية والنهاية :
" وقال محمد بن إسحاق بن يسار: حدثني الزهري، حدثني أنس بن مالك قال: لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد جلس أبو بكر فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أيها الناس إني قد قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت وما وجدتها في كتاب الله، ولا كانت عهدا عهده إلي رسول الله ﷺ ولكني قد كنت أرى أن رسول الله ﷺ سيدبر أمرنا، يقول: يكون آخرنا، وإن الله قد أبقى فيكم الذي به هدى رسول الله ﷺ فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه الله، وإن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله ﷺ وثاني إثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوه، فبايع الناس أبا بكر بعد بيعة السقيفة.
ثم تكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو أهله ثم قال: أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا خذلهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله، وهذا إسناد صحيح "
والكلام واضح أن خطبة أبي بكر كانت في اليوم التالي لبيعة السقيفة .
أما كلامه يوم السقيفة فقد روي بأسانيد صحيحة عن عمر بن الخطاب عند البخاري وغيره من العلماء .
قال ابن كثير في البداية والنهاية بعد أن ذكر وفاة النبي واجتماع الانصار في السقيفة وانطلاق أبي بكر وعمر وأبي عبيدة إلى السقيفة ، والحديث سياقه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
" .. فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا هم مجتمعون، وإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت: من هذا؟قالوا: سعد بن عبادة.فقلت: ماله؟قالوا: وجع، فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله وقال: أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط نبينا، وقد دفت دافة منكم تريدون أن تختزلونا من أصلنا، وتحصنونا من الأمر.
فلما سكت أردت أن أتكلم، وكنت قد زورت مقالة أعجبتني أردت أن أقولها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحد وهو كان أحكم مني وأوقر والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بديهته وأفضل حتى سكت.
فقال: أما بعد فما ذكرتم من خير فأنتم أهله، وما تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبا ودارا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أيهما شئتم.
وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة ابن الجراح، فلم أكره مما قال غيرها، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، إلا أن تغير نفسي عند الموت.
فقال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش.
قال: فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات حتى خشينا الاختلاف.
فقلت: أبسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون، ثم بايعه الأنصار .."
فهذا كلامه يوم السقيفة فقط ، أما الخطبة المعروفة عنه فكانت في المسجد في اليوم التالي على ما بينا ، واظن السائل اختلط عليه الأمرين .
والله أعلم