أولاً: الحكمة هي: أن متعة النوم لا تكون إلا لمن يحتاج إليه من تعب أو مرض، وأهل الجنة لا يجدون شيئا من ذلك فهم لا يتعبون ولا يمرضون.
- عن جابر بن عبد الله سئل نبي الله فقيل: يا رسول الله؛ أينام أهل الجنة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النوم أخو الموت، وأهل الجنة لا ينامون" رواه الطبراني في الأوسط، والبيهقي في الشعب.
- قال الله تعالى:(أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ* إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) سورة الصافات (58-59)، فلا موت ولا عذاب في الجنة.
ثانيًا: لأن النوم يفوت عليهم النعيم المقيم والمستمر في الجنة، فطبيعة الإنسان لا يأتيه النوم في لحظات السعادة والهناء، وكل لحظة في الجنة فيها السعادة والراحة والهناء والرضا والرخاء والرفاهية، وبسبب ذلك فأهل الجنة لا ينامون لكمال حياتهم، وملذاتهم المتتالية، وتوالي نعيمهم، ومسراتهم.
ثالثًا: لأن النوم يكون غالبًا في الليل والظلام، والجنة ليس فيها ليل ولا ظلام.
رابعًا: لأن النوم يكون من أجل الراحة والاستعداد للعمل في اليوم التالي، وأهل الجنة لا يعملون، فهم في راحة وسعادة لا يعلمها إلا الله تعالى.
خامسًا: لأن النوم يعتبر الموتة الصغرى، وأهل الجنة لا يموتون أبداً، فعندما يدخل أهل الجنةِ الجنةَ، ينادي منادٍ يا أهل الجنة خلودٌ بلا موت. فالجنة ليس فيها نوم ولا موت، ولا مرض ولا هرم، ولا هموم ولا أحزان، ولا بول ولا غائط ولا روائح كريهة، وليس للنساء حيض ولا نفاس، وليس فيها غل ولا حقد ولا حسد. يُنـزع الغل من صدور المؤمنين قبل أن يدخلوا الجنة، يوقفون على قنطرة بعد أن يتجاوزوا الصراط، ويقتصّون في ما بينهم المظالم التي بينهم، ثم يُنـزع الغل من صدورهم، فيدخلون الجنة على غاية من الصفاء، قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} سورة الحجر: الآية 47.
سادسًا: أن الجنة ونعيمها، تنسي أهلها وتذهب عنهم النوم أبدًا، فالله تعالى قد أعدّ لأهل الجنة "ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر". متفق عليه.
سابعًا: لأن أهل الجنة يختلفون عن حالهم في الدنيا في كل شيء، والنوم كذلك، فهم لا ينامون كما كانوا ينامون في الدنيا.
ثامنًا: ومن يحتج بلفظ مقيلا في الآية (24) من سورة الفرقان (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا)؛ بأن أصحاب الجنة ينامون، فهنا معنى الآية أن الله عزَّ وجلَّ يحاسب المؤمنين، وينتهي من حسابهم وقت القيلولة، دلالة على يسر الحساب وسرعته.
تاسعًا: ولأن الجسد عندما يتعب يحتاج للنوم، فالله تعالى يعطي أهل الجنة قوة في أجسادهم تغنيهم عن النوم، فلا يتعبون، بل يحيون في لذة دائمة متجددة.
عاشرًا: لأن طبيعة الإنسان في الدنيا يحتاج إلى ساعات نوم تكون من سبع إلى ثمان ساعات يوميًّا، أما في الجنة فتختلف هذه الطبيعة، فلا يحتاجون للنوم ولا ينامون.
- ولو فرضنا أن أحدًا من أهل الجنة طلب النوم وأراده، لكان له بدليل قوله تعالى: (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) سورة فصلت الآية (31)
- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يومًا يحدث: "أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ، فَقَالَ: أَوَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ، فَأَسْرَعَ وَبَذَرَ، فَتَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ وَتَكْوِيرُهُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ"- أي جمعه. قال الشراح: لم يكن بين البذر ونجاز أمر الزرع كله حتى الجمع إلا قدر لمح البصر، "فيقول الله تعالى: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَإِنَّهُ لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ" أخرجه البخاري.
لقد أذن الله تعالى لهذا الرجل الذي أحب الزراعة في الدنيا أن يزرع ويبذر ويحصد.