اللوحات التي تعبر عن الواقع بلمسات خيالية من عالم الفنان، والتي تحمل بداخلها تفاصيل تعبر عن العواطف والأحاسيس بصورة تعبر عن الموضوعات الغريبة الغير مألوفة في أغلب الأحيان لكنها واضحة في رسالتها وتمثيلها للمواضيع الشرقية و الطبيعية المؤثرة بواسطة الفرشاة التي تحمل الألوان النابضة بالحياة والخيال والالهام، او التي تعكس المشاهد الدرامية بصورة تثير العواطف لدى المتلقي.
تلك اللوحات تندرج تحت مسمى الرومانسية او الرومانتيكية و كما تعرف باللغة الانجليزية (Romanticism) ،وهي حركة فنية تنتمي للفن التشكيلي نشأة في فرنسا بين الفترة (1800-1840)، حيث كانت رد فعل على الثورة الصناعية وبداية ثورة بصرية تكسر قيود المذهب الكلاسيكي المسيطر على ساحة الفنون منذ عصور، وانعكاسا للتطور الحضاري الذي وتقدم العلم والمعرفة الذي ظهر بقوة في بداية القرن الثامن عشر.
ولعل أكثر اللوحات التي مثلت المدرسة الرومانسية وكانت من افضلها من وجهة نظري هي لوحة "الحرية تقود الشعب" للفنان الفرنسي يوجيه دي لاكرواه، حيث انها مثلت الثورة الفرنسية التي قادتها المعارضة الليبرالية ضد حكم الأمير شارل العاشر، إطاحته وإعادة استقلال الجمهورية الفرنسية.
إن السبب وراء اختياري لهذه اللوحة عن من سواها لتكون الأفضل هو تجسيدها لفكرة الحرية بصورة نابضة بالحياة بعد أعوام من رماد الحرب الذي كان يمثل الظلال في أسفل اللوحة، أما الحرية فقد كانت شعلة من النور تحملها امرأة تعلو صورتها في اعلى اللوحة متخللة عبر إطارها نحو السماء، تلك المرأة تدعى "ماريانا" كما وصفها الدكتور عبد الجبار ناصر في كتابه (ثقافة الصورة في وسائل الإعلام) حيث وصفها بأنها ترمز الى فرنسا كدولة، و قيم، و ثقافة، و أن العلم الفرنسي الذي تحمله بيدها يرمز المساواة، و الإخاء والحرية التي جسدتها المرأة ولعل سبب إختيار الفنان للمرأة تحديدا يرجع الى النظام الذكوري الذي كان يسود الدولة آنذاك.
جسدت لوحة "الحرية تقود الشعب"، الحرية بصورة امرأة تدعى ماريانا تحمل راية العلم الفرنسي الذي يرمز للثورة بيدها، وبندقية باليد الأخرى، وتقف امام الجيش المتمثل بالشعب و الجثث الذين سقطوا بكل شجاعة وبسالة متحدية جيش الدولة الديكتاتورية لتعبر عن الديموقراطية و الحرية بكل وضوح و شفافية.
بتلك اللوحة استطاع الفنان يوجيه دي لاكرواه، أن يجسد الجمال بصورة تمثل الفكرة عن طريق الإلهام والخيال، و قدرته على التعبير عن إيمانه بالجمال الموجود في العالم الداخلي للفنان والذي يتجسد عبر أفكاره و خططه النابعة من فؤاده، لذلك لم يهتم بالجمال المحيط بحياته الروتينية، بل صنع من افكاره عوالم عديدة عبر بها نحو الماضي، المحمل بظلام العصور القديمة و أسرار الشرق حيث ابحرت قافلته عبر صحراء الخيال المحملة بسحر والغموض.
من وجهة نظري اتخذ الفنان الالوان و الخطوط اداة يعبر بها عن معتقداته وافكاره ولعل لوحة "الحرية تقود الشعب"، هي مثال على قدرته في تصوير الأحداث و تجسيد المشاعر و ابراز دور الحرية بصورة واضحة و معبرة تلامس فؤاد المشاهد وتجعله يؤمن بمعتقدات الفنان ويصدقها.