قال الله سبحانه وتعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب} [سورة الحج: 32].
-ومن أجمل القصص والمواقف في تعظيم شعائر الله:
أولاً: تقبيل الحجر الأسود، فَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ لِلرُّكْنِ: "أَمَا وَاللَّهِ، إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ"، فَاسْتَلَمَهُ. (رواه البخاري).
ثانياً: قصة الصحابي أبو لبابة رضي الله عنه حين ما أشار إلى اليهود أن النبي صلى الله عليه وسلم سيوقع بهم... فندم على ذلك، وعلم أن ما ارتكبه ذنب عظيم في حق نبيه صلى الله عليه وسلم، فتاب توبة نصوحاً، وخرج من ديار بني قريظة نادماً إلى المسجد النبوي الشريف، فربط نفسه بسارية من سواري المسجد حتى تاب الله عليه، وحلَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة، ولا تزال هذه السارية معروفة وتحمل اسمه شاهدة على صدق توبته، وعُلو منزلته.
ثالثاً: حين أنزل الله قوله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) سورة الحجرات: 2. ومعناها: لا ترفعوا أصواتكم، وتأدبوا عند المصطفى، صاحب الرسالة الخالدة صلى الله عليه وسلم، فلما نزلت أتى ثابت بن قيس بن شماس وهو خطيب الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يخطب في حماية الإسلام، وفي الدفاع عن الإسلام فيرفع صوته على صوت الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس هذا مقصوداً في الآية، لأن الآية تعني الذين لا يتأدبون، أما هو فيرفع صوته براية الحق، فذهب فأغلق بابه في البيت؛ فبكى حتى كادت أضلاعه أن تختلف وقال: {والذي لا إله إلا هو، لا أخرج من بيتي حتى يتوب الله علي أو أموت في بيتي، فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة فقال: أين ثابت؟ فقالوا: يا رسول الله، نزلت الآية فظن أنها فيه فأطلق عليه بابه ولم يأكل ولم يشرب، وحلف ألا يخرج حتى يتوب الله عليه أو يموت في بيته.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بشروه أنه من أهل الجنة، فأتوا يطرقون عليه الباب ويبشرونه أنه من أهل الجنة، فبكى حتى أغمي عليه حياء من الله تعالى.
رابعاً: ومن القصص الدالة على تعظيم شعائر الله وحرماته (قصة الذين جاءوا يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم) - فعن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عبادة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: فأين نحن من النبي -صلى الله عليه وسلم- قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" متفق عليه.
خامساً: قصة رابعة العدوية التي كانت تقول: "أنا لا أعبدك طمعا في جنتك ولا خوفا من نارك، وإنما أعبدك لأنك أهل للعبادة".
سادساً: ما جاء في تعظيم الكعبة المشرفة:
- فعن هشام عن أبيه قال: لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فبلغ ذلك قريشا خرج أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء يلتمسون الخبر؛ عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأقبلوا يسيرون حتى أتوا مر الظهران؛ فإذا هم بنيران كأنها نيران عرفة، فقال أبو سفيان: ما هذه؟ لكأنها نيران عرفة! فقال بديل بن ورقاء: نيران بني عمرو، فقال أبو سفيان: عمرو أقل من ذلك؛ فرآهم ناس من حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركوهم فأخذوهم، فأتوا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم أبو سفيان؛ فلما سار قال للعباس: احبس أبا سفيان عند حطم الخيل حتى ينظر إلى المسلمين؛ فحبسه العباس فجعلت القبائل تمر مع النبي – صلى الله عليه وسلم- تمر كتيبة على أبي سفيان، فمرت كتيبة قال: يا عباس من هذه؟ قال: هذه غفار، قال: ما لي ولغفار، ثم مرت جهينة، فقال مثل ذلك، ثم مرت سعد بن هذيم فقال مثل ذلك، ومرت سليم فقال مثل ذلك، حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها؛ قال: من هذه؟ قال: هؤلاء الأنصار، عليهم سعد بن عبادة، معه الراية، فقال سعد بن عبادة: يا أبا سفيان: اليوم يوم الملحمة؛ اليوم تستحل الكعبة؛ فقال أبو سفيان: يا عباس حبذا يوم الذمار، ثم جاءت كتيبة وهي أقل الكتائب فيهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه، وراية النبي – صلى الله عليه وسلم – مع الزبير بن العوام؛ فلما مر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بأبي سفيان، قال: ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة؟ قال: (ما قال؟) قال: كذا وكذا، فقال: (كذب سعد؛ ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة، ويوم تكسى فيه الكعبة) …الخ الحديث" أخرجه البخاري.