في حال لم تسمع بـThe Big Lebowski، فهو فيلم كوميديا وجريمة وما هو أكثر وأكبر من ذلك! خليطٌ غريبٌ من كثيرٍ من الأشياء، شيءٌ أشبه بأحلام قيلولة العصر. وربما سمعت به، لكن لم يجذبك بما فيه الكفاية ولم تجده النوع الذي تفضّله من الأفلام. حسنًأ، الفيلم يستحقّ وقتك، ولا يجب أن تفوّته خاصةً إن كنت من عاشقي السينما والراغبين في التعمّق فيها، إذ يُعتبر هذا العمل من الكلاسيكيات أو "أمهات الأفلام"، أو يمكن القول إنه مدرسة بذاتها يمكن أن تعلّمك الكثير عن الفنّ السابع، وأيضًا هو تجربة فريدة متكاملة.
في هذه الإجابة سأقدم لك خمسة أسبابٍ تدفعك لمشاهدة The Big Lebowski، لكن قبلها سأعطيك نبذةً عن الفيلم:
أخرَجَ وكتبَ الفيلم الأخوين جويل وإيثان كوين، عام 1998، وهو العمل السادس لهما، وكان قد سبقه بعامين فيلم "فارغو" الذي استُلهِمَ منه مسلسلٌ متعدّد المواسم بدأ بثّه عام 2014. وأدّى بطولة "ليباوسكي الكبير" كلٌّ من جيف بريدجز وجون غودمان وستيف بوشيمي وفيليب سيمور هوفمان وجوليان مور وآخرون. وقصّته باختصارٍ ودون حرقٍ للأحداث، تدور حول شخصٍ عازبٍ وعاطلٍ عن العمل وغير مهتم بالبحث عن واحد، اسمه جيف ليباوسكي أو "ذا دود" The Dude كما يُحبّ أن يُنادى. يتورّط "ذا دود" في مجموعة مشاكل، ويدخل برفقة أصدقائه في سلسلة أحداثٍ عشوائية وعبثية وتتعرّض حياته للخطر بسبب تشابهٍ في الاسم بينه وبين مليونير!
الآن، إليك الأسباب الخمسة التي تدفعك لمشاهدة "ليباوسكي الكبير":
1- فيلمٌ بدون أبطال وبالتالي أنتَ أمام تجربة غير تقليدية: ستتساءل: كيف يمكن لعملٍ سينمائي أن يكون بدون أبطال؟ وكيف تقول إنه خالٍ منهم وأعلاه تم ذكر أنّ بطله يتورط في مشاكل؟ حسنًا، لا شكّ أنّ هناك شخصيات رئيسية، لكنّها لا تمثّل بأي شكلٍ من الأشكال الأبطال التقليديين، ولا تحمل أي قيمٍ نعرفها للبطولة؛ فـ"ذا دود" يعيش على الهامش، لا يُمارِس أي عملٍ سوى لعب البولينغ مع أصدقائه ونشاطات أخرى لا قيمة بطولية لها. وأصدقاؤه لا يختلفون عنه كثيرًا، حيث يفتعلون المشاكل ويدخلون في مواقف غريبة، ويُشاركون "ذا دود" العيش على هامش المجتمع.
لكن المتابع لسينما الأخوين كوين، سيُدرِك أنّ في هذه الهامشية تكمُن بطولةٌ ما، فمعظم أبطال أعمالهم السابقة واللاحقة لهذا الفيلم يقبعون على الهامش، أناسٌ عاديون، ليسوا أبطالًا عاديين ولا خارقين، كل واحدٍ منهم باختصار هو إنسان الحياة اليومية العادية، لكن بطريقةٍ ما، يُصبح مركزًا لقصّة لم يختر أن يكون فيها! ويمكننا القول إنّه فيلم بدون أبطال أو بأبطالٍ هامشيين!
2- عملٌ سينمائي حول لا شيء: كيف ذلك؟ كيف يمكن أن يصنع أحدهم عملًا فنيًا حول لا شيء؟ قبل الإجابة لا بد من الإحالة إلى المسلسل الكوميدي الشهير Seinfeld، حيث وصفه كلٌ من صنّاعه "لاري ديفيد" و"جيري ساينفيلد"، حين قدّموه لشبكة NBC عام 1988 بأنّه مسلسل حول "لا شيء"! وفي فيلمنا هذا، ليس هناك حدث بالمعنى الذي نعرفه للحدث الكبير، ليس هناك قصة أو سردية كبرى، بل مجموعة أحداث عشوائية مفكّكة، سردياتٌ صغيرة ولا مكان للسرديّة الكبرى، ممّا يجعل الفيلم "ما بعد حداثي" بامتياز! حتى الأحداث التي تظنّها أحداثًا يتّضح عند نقطة معينة أنّها ليست أحداثًا حقيقة -عند المشاهدة ستعرف عمّا نتحدّث-. وقد تبدو هناك حكبة، لكنّها أبعد ما تكون عن الحبكة! ويبدو الفيلم بالنهاية كأنّه تصويرٌ عفوي لسلسلة أحداثٍ غريبة وعشوائية لمجموعة أشخاصٍ عاديين. وحتى الأحاديث التي تدور في الفيلم وخاصةً بين "ذا دود" ورفاقه هي ليست حول شيء، وفي الأغلب تأتي غير مكتملة، وبالتالي لا جدوى حقيقية منها.
3- فيه موسيقى مميّزة: من البَدَهي أنّ كل الأفلام فيها موسيقى وتملك موسيقى تصويرية خاصة بها، لكنّنا نتحدّث عن شيءٍ مختلف، عن موسيقى تم اختيارها بعناية لتكون في خلفية العالم العبثي والعشوائي والسُريالي لهذا الفيلم. ومنذ بدايته، يتحفك الفيلم بأغنية The Man in Me للمغني والملحن والشاعر الأميركي الألمعي الحائز على جائزة نوبل بوب ديلان. وفي أحد مشاهد الفيلم التي تأخذك لعالمٍ يختلط فيه الواقع بالخيال، يتم توظيف أغنية الروك الستيناتية Just Dropped In لفرقة The First Edition ببراعة، وسترتبط دومًا بهذا المشهد وغالبًا ستتقمّص الحالة الوجدانية لبطلنا الهامشي "ذا دود" فيه. كما أنّه سيجعلك تكتشف فرقًا وفنانين لا تعرفهم، ولا يتم استعمال موسيقاهم فحسب، بل الإشارة إليهم والسخرية من بعضهم.
4- يتمتّع بأسلوبٍ مميّز: لا أتحدّث هُنا عن الأسلوب الإخراجي، إنما أسلوب الفيلم ونمطه فيما يتعلّق بالأزياء والديكور وطريقة العيش، على سبيل المثال: نظّارة "والتر" صديق "ذا دود" المميّزة ذات العدسات الصفراء، وسترة "ذا دود" و"سجادته"، وطريقة عيشه البسيطة والمُغرية في نفس الوقت. هناك متعة بصرية وحياتية يولّدها هذا الأسلوب المميّز الذي يُعدُ من العوامل الرئيسية التي تجعل "ليباوسكي الكبير" أكثر من مجرّد فيلم
5- لقد تحوّل الفيم إلى طائفة/حركة: قلت إنه أكثر من مجرّد فيلم، فشخصية "ذا دود" وطريقة عيشه وأسلوب عالم الفيلم وشخصياته الفريدة، أدّت إلى ولادة طائفةٍ/حركةٍ تُدعى "الدوديزم" Dudeism! ففي عام 2005 وبعد مشاهدته الفيلم مع أصدقائه، قرّر أولفر بنجامين تأسيس حركة أو طائفة مبنية على فلسفة حياة شخصية "ذا دود"، حيث رأى أن هذا الفيلم ليسَ سوى تطبيقٍ مثالي لمبادئ الفلسفة الطاوية الصينية. وترتكز حركة/طائفة "الدوديزم" على نظريةٍ بسيطةٍ مفادُها أنّ الحياة قصيرة وفي غاية التعقيد ولا أحد يعلم ما حلُّ ذلك، لذا من الأفضل ألا تفعل أيّ شيء، وتتوقّف عن القلق وتعيش بهدوء واسترخاء وتأخذ الأمور برويّة فهناك أشياء رائعة تنتظرُك في الخارج!
ختامًا، هُناك أسبابٌ كثيرة لمشاهدة "ليباوسكي الكبير" أكثر من مرّة، فهو من نوعية الأفلام التي لا تُشاهَد مرّةً في العمر، بل تجربة حياتية تتكرّر، وفي كل مرةٍ تزداد المتعة ويتعمّق الاندماج بالتفاصيل التي يتألّق بها هذا العمل، ومع الوقت وإن أحببت الفيلم، سترى كيف يتغلغَل في حياتك ويؤثّر على شخصيتك دون أن تشعر.