ما هو شرح الحديث الشريف(تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في ذات الله..) وما درجة صحته

1 إجابات
profile/د-محمد-ابراهيم-ابو-مسامح
د. محمد ابراهيم ابو مسامح
ماجستير في التربية والدراسات الاسلامية
.
١٥ أبريل ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
 عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا في الله) أخرجه الطبراني والبيهقي. وهذا الحديث إسناده فيه ضعف فلا يعتد به.

-وروي بطريق آخر عن عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناس من أصحابه وهم يتفكرون في خلق الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فيم تتفكرون "، قالوا: نتفكر في الله قال:" لا تفكروا في الله، وتفكروا في خلق الله؛ فإن ربنا خلق ملكا قدماه في الأرض السابعة السفلى، ورأسه قد جاوز السماء العليا، ما بين قدميه إلى ركبتيه مسيرة ستمائة عام، وما بين كعبيه إلى أخمص قدميه مسيرة ستمائة عام، والخالق أعظم من المخلوق». وهذا أيضا فيه ضعف فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. - وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:" تفكروا في كل شيء، ولا تفكروا في ذات الله "، هكذا موقوفا عليه، وهذا إسناده جيد، وليس له طريق مرفوع صحيح، لكن مجموع طرقه يشهد أن له أصلا، وقد صح موقوفا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

- أما شرح الحديث تفصيليا فهو كالتالي: -
فقول النبي صلى الله عليه وسلم:" تفكروا " فالتفكير يعتبر من أفضل العبادات لله تعالى قال القرطبي في "تفسيره" والفكرة: تردد القلب في الشيء، يقال: تفكر، ورجل فكير كثير الفكر ".

-وقوله صلى الله عليه وسلم:" في آلاء الله " أي: تفكروا في نعم الله تعالى عليكم، ونعم الله تعالى علينا لا تُعد ولا تُحصى، قال الله تعالى: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) سورة النحل (18)

- أما قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى:" تفكروا في خلق الله ": أي فيما بثه الله تعالى في الأكوان من الأنفس وغيرها من المخلوقات في السماء والأرض.
قال الله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ *الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) سورة آل عمران (190-191)

-وقوله صلى الله عليه وسلم:" ولا تفكروا في الله "، أو " في ذات الله ": فهذا فيه نهيٌ صريح وواضح عن التفكير في ذات الله تبارك وتعالى، لأن الله ليس كمثله شيء، قال الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) سورة الشورى (11)
-والعقل البشري مخلوق محدود، فكيف له أن يدرك كنه ذات الرب تبارك وتعالى فكل ما خطر ببالك فالله خلاف ذلك.

قال الصنعاني في كتابه "التنوير في شرح الجامع الصغير" "وإنما نهى عن التفكر في ذاته تعالى لأنه لا تفكر إلا فيما يعرفه العبد ويعلمه، وقد تعالى الله سبحانه أن يحاط به علماً".

- ويعد التفكر في النعم والمخلوقات التي بسببه تزداد محبة الله تعالى في قلب العبد المسلم.

- والفكر في ذات الله يجلب للعبد الحيرة والضلال، وكثير من فرق الضلالة كان سبب نشأتها الخوض في ذات الله تبارك وتعالى، فحملهم ذلك على نفي الصفات، وتعطيلها، أو التجسيم، أو التأويل.قال النعيم بن حماد، وهو من مشايخ الإمام البخاري:" حق على كل مؤمن أن يؤمن بجميع ما وصف الله به نفسه ويترك التفكر في الرب تبارك وتعالى، ويتبع حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق) ". أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة "

وقال أبو القاسم الأصبهاني في "الحجة في بيان المحجة" (2/457):" ومن تفكر في الله وفي صفاته: ضل، ومن تفكر في خلق الله وآياته ازداد إيماناً ". انتهى 

- وفي معنى الحديث السابق يقول الإمام ابن القيم رحمه الله من كتاب (الفوائد) "الفكر في آلاء الله ونعمه، وأمره ونهيه، وطرق العلم به، وبأسمائه وصفاته، من كتابه وسنة نبيه وما والاهما. وهذا الفكر يثمر لصاحبه المحبة والمعرفة. فإذا فكر في الآخرة، وشرفها ودوامها، وفي الدنيا، وخستها وفنائها: أثمر له ذلك الرغبة في الآخرة، والزهد في الدنيا. وكلما فكر في قصر الأمل، وضيق الوقت: أورثه ذلك الجد والاجتهاد، وبذل الوسع في اغتنام الوقت.

وهذه الأفكار تعلي همته وتحييها، بعد موتها وسفولها، وتجعله في واد، والناس في واد. وبإزاء هذه الأفكار: الأفكار الرديئة، التي تجول في قلوب أكثر هذا الخلق، كالفكر فيما لم يكلف الفكر فيه، ولا أعطي الإحاطة به، من فضول العلم الذي لا ينفع، كالفكر في كيفية ذات الرب وصفاته، مما لا سبيل للعقول إلى إدراكه ".