ما هو حكم مراقبة الناس بهدف النصيحة

1 إجابات
profile/دمحمد-الطويل-1
د.محمد الطويل
دكتوراة في الفقه وأصوله (٢٠١٠-٢٠١٣)
.
٠٣ مارس ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
 لا يجوز تتبع الناس ومراقبتهم بهدف نصيحتهم بل يعد هذا نوع من التجسس المحرم في الشريعة.

قال الله تعالى في سورة الحجرات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا.. (12).

قال القرطبي رحمه االله:" ومعنى الآية خذوا ما ظهر ولا تتبعوا عورات المسلمين أي لا يبحث أحدكم عن عيب أخيه حتى يطلع عليه بعد أن ستره الله ".

فتتبع عورات الناس وما يفعلونه في السر أو بيوتهم محرم ولو كنت تظن أنهم يفعلون منكر، وكنت تقصد إنكار منكرهم ونصحهم، لأن من شرط إنكار المنكر أن يكون ظاهراً، أما ما يفعله الإنسان في بيته أو خلواته وبينه وبين نفسه فليس عليك إنكاره وتتبعه، بل تكون أنت المخطئ .

والحكمة من ذلك أن الشريعة تحرص على عدم ظهور المنكر في المجتمع المسلم وشيوعه، لأن ظهوره دون إنكار يؤدي إلى تساهل وتجرئتهم على المنكرات أكثر وأكثر وفي هذا شيوع للفاحشة والمنكر بين الناس، لذلك كان إنكار المنكر الظاهر واجب على كل مسلم بحسب استطاعته.

أما المنكر الذي يفعله الشخص وحده أو في الخفاء فضرره يقتصر عليه وحده، وفي التجسس عليه بدعوى إنكار منكره مفاسد منها:
1. .فضحه بين الناس وهذا قد يدفعه إلى العناد والإصرار على المنكر .
2.شيوع ذكر المنكر فالناس ستتحدث أن فلان فعل كذا وكذا، ومجرد شيوع ذكر المنكر مفسدة.
3. خوف الناس من رقابة غيرهم عليهم وتتبع عوراتهم، وهذا سيجعل الرادع الحقيقي لهم هو السلطان ورقابة الناس لا خوفهم من الله، وهذا سيعزز فيهم جانب النفاق.

لذلك جاء في الحديث عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنَّك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم).

ولما كان عمر رضي الله عنه مع عبد الرحمن بن عوف في بعض طرق المدينة ليلاً في خلافته وهو ينظر أحوال الرعية، فرأيا بيتاً في سراج ونور وأصوات قوم مرتفعة، فقال عمر : "هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف وهم الآن شرب - يعني يشربون الخمر -  فما ترى؟ فقال عبد الرحمن: أرى أنا قد أتينا ما نهى الله عنه (ولا تجسسوا) وقد تجسسنا، فانصرف عمر وتركهم"!

فمراقبة الناس وتتبع أفعالهم لا يجوز إلا إذا كنت أباً أو زوجاً أو مسؤولاً عن تصرف إنسان معين وتربيته، وحصل عندك ريبة من تصرفاته فعليك هنا معرفة حقيقة أفعاله وعدم الغفلة عنه حتى لا يقع في الشر والخطأ من حيث لا تدري، أما بدون ريبة فإنك مراقبة الدائمة له ووضعه في موضع شك يفسده أيضاً !

والله أعلم