سؤالك يحتمل أمرين:
الأول: ألا يظهر له مالك أصلاً ولا يغلب على الظن أو تكون العادة أن يكون لمثل هذا الحمام المأخوذ مالك، كحمام في البرية أو حمامة مفردة تطير وحدها أو مع زوج آخر، ولا يظهر عليها علامات الملك لأحد آخر بحسب معرفة أهل العرف.
ففي هذه الحال فإن هذا الحمام ليس ملكاً لأحد فمن التقطه وأخذه فهو من المباحات، فمن سبق إليه تملكه وصار من حقه ويجوز له الانتفاع به انتفاعاً مباحاً.
الثاني: أن يغلب على الظن أن هذا الحمام له مالك، أو يكون العرف كذلك، أو يظهر عليه علامة ملك أحد الناس، كما لو كان الحمام يطير في السماء على شكل مجموعة في المدينة ومثل هذا يغلب أن يكون له مربٍ معين يطيره ويعتني به.
ففي هذه الحال لا يجوز أخذ هذا الحمام ولا التقاطه ولا حبسه ولا الانتفاع به، حتى لو لم تعرف صاحبه، لأنه ما دام غلب على الظن أو ظهر له مالك وإن لم تعلمه فلا يجوز الانتفاع بملك غيرك دون إذنك أو أخذه وحبسه ويعد ذلك غصباً لحق غيرك وأكلاً لماله بالباطل.
وأنبهك إلى أن تربية الحمام إن كان المقصود منها أكلها وأخذ بيضها وبيعها فهو مباح، أما إن للهو به فهو مكروه، وقد يكون محرماً إذا اشتمل على محرم كتطييرها في الجو وأخذ حمامات الغير كما يعلمه أهل هذه الصنعة أو كان فيها أذى للجيران.
جاء في الحديث عن أبِي هُرَيْرة رضِي الله عنْه: أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليْه وسلَّم رأى رجُلاً يتْبع حمامةً فقال: "شيطان يتْبع شيطانة" (رواه أبو داود وأحمد وحسنه بعض العلماء)
قال صاحب عون المعبود في شرح سنن أي داود "إنَّما سمَّاه شيطانًا لمباعدتِه عن الحقِّ، واشتِغاله بما لا يَعنيه، وسمَّاها شيطانة؛ لأنَّها أورثتْه الغفلة عن ذكْر الله، قال النَّووي: "اتّخاذ الحمام للفرْخ والبيض، أو الأنس، أو حمْل الكتب - جائز بلا كراهة، وأمَّا اللَّعب بها للتطيُّر، فالصَّحيح أنَّه مكروه، فإنِ انضمَّ إليْه قمار ونحوه، ردَّت الشهادة "
وقال ابن قدامة: "واللاَّعب بالحمام يُطيرها لا شهادة له؛ لأنَّه سفاهة ودناءة وقلَّة مروءة، ويتضمَّن أذى الجيران بطيْره، وإشرافه على دورِهم، ورمْيه إيَّاها بالحجارة".
لكن رد الشهادة إنما هو لمن تضمن تربيته للحمام أذى الناس كما قلنا أو سرقة حمامهم، لا من رباه بدون أذى أو لمقصد مباح.
والله أعلم