الرد بأن تعلم معنى حرية الاعتقاد التي يقرها الإسلام أصلاً، فمفهوم الإسلام لذلك يختلف عن مفهوم حرية الاعتقاد التي تدعيها وتنادي بها حضارة الغرب المعاصرة اليوم، وسبب هذا الاختلاف هو اختلاف نظرة الإسلام إلى هذه الدنيا والغرض منها عن نظرة الحضارة الغربية المعاصرة.
فالإسلام ينظر إلى الحياة الدنيا أنها اختبار وامتحان يتحدد بناء عليها مصيرك في الدار الآخرة الباقية، فمن أحسن فيها وعبد الله ووحده ورضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً دخل الجنة، ومن كفر دخل النار، والإسلام يعتقد أن الرحمة الحقيقية بالناس تكون بإنقاذهم بالنار وليس بتركهم على شهواتهم وأهوائهم في الدنيا حتى تكون عاقبتهم النار خالدين مخلدين فيها.
لذلك الإسلام لا يقر حرية الاعتقاد بمعنى أن لكل أحد أن يقول ويعتقد ما شاء، بل هو يرفض كل ما يؤثر على النظام العام لمعتقد الأمة الإسلامية ويخشى منه التشكيك في عقيدتها أو يدخل ريباً عليها.
فبينما الإٍسلام يرفض في الأصل إكراه الناس على الدخول في الإسلام كما قال تعالى (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) على الراجح في تفسيرها والراجح من أقوال الفقهاء، لكنه في المقابل يرفض ويمنع من دخل في الإسلام الخروج منه لأمرين:
1. أن خروجه منه بعد دخوله فيه، قد يدفع غيره إلى تقليده خاصة إذا كان هذا المرتد له منزلة ومكانة عند البعض، فيقولون لم يخرج منه إلا لأنه اطلع على ما يدل على بطلانه وخطأ هذا الدين، أو هو بردته قد يدفع غيره إلى الشك والريب والتردد في صحة دين الإسلام، مع أن صحة دين الإسلام مسألة مقطوعة.
كما أخبرنا الله تعالى عن خطة بعض اليهود في زمن النبي عليه السلام (وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذين أنزل على الذين آمنوا أول النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون)
جاء في التفسير " هذه مكيدة أرادوها ليلبسوا على الضعفاء من الناس أمر دينهم، وهو أنهم اشتوروا بينهم أن يظهروا الإيمان أول النهار ويصلوا مع المسلمين صلاة الصبح، فإذا جاء آخر النهار ارتدوا إلى دينهم ليقول الجهلة من الناس: إنما ردهم إلى دينهم اطلاعهم على نقيصة وعيب في دين المسلمين".
وفعل هذا المرتد يشبه فعلهم، ولو فتح هذا الباب لكل من هب ودب لصار باب حرية الاعتقاد وسيلة للطاعنين في الإسلام أن يدخلوا ويخرجوا منه تحت حجة أنهم وجوده باطلاً، وفي هذا تلبيس على عامة الناس وضعفاء العلم فيدفعهم ذلك إلى الريب والشك، وفي هذا إفساد عقائد الناس.
فقطع الإسلام هذا الباب على مبتغيها وجعل حد المرتد هو القتل بعد استتابته ثلاثة أيام تكون كافية لإقامة الحجة عليه والإجابة على شبهه، فلا يبقى بعد ذلك إلا مرض قلبه، فتكون المصلحة العامة هي قتل هذا المرتد المصر على ردته قطعاً لدابر هذه الفتنة وحفاظاً على عقائد الناس.
كما يفعل من يكون عنده صندوق خضرة فيه حبة فاسدة فإنه يرمي هذه الحبة الفاسدة حفاظا على سائر حبات الصندوق.
2. أن ردته بعد دخوله في الإسلام وتنعمه بنعمة التوحيد ورؤيته نور الحق، دلالة أنه أحد شخصين: ماكر دخل نفاقاً وطعناً في الدين وتلبيساً على الناس ومثل هذا حقه القتل، وإما خبيث النفس لم يقدر نعمة الله عليه بالإسلام ورفض أعظم الحقائق ومثل هذه النفس الخبيثة لا مصلحة من بقائها على قيد الحياة.
بينما الحضارة الغربية العلمانية تعتبر الدنيا هي المقصد والغاية، كما ورد في الحديث (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر)، فغايتهم تحصيل ما شاؤوا من متعة وشهوات في الدنيا، بينما قضية الاعتقاد والدين عندهم هي قضية ثانوية شخصية داخلية تخص كل شخص وحده ليس لأحد التدخل فيها.
وهم لأجل ذلك يسمحون في الظاهر لمن شاء أن يقول ما شاء ويعتقد ما شاء، لكن الواقع أنه حتى حضارتهم التي تدعي حرية الاعتقاد لا تسمح للمسلم الصادق الطعن في دينهم وإطهار بطلانه، وهم أيضاً لا يتسامحون مع من ينتقل من النصرانية إلى الإسلام بل غالب من يفعل ذلك في بلاد المسلمين فإنه يتعرض إلى اضطهاد وملاحقة من أهله وتخويف، وقد يصل حد القتل.
فليس هناك دين في الواقع يسمح لأصحابه أن ينتقلوا منه إذا شاؤوا أو يتسامح مع ذلك
والله أعلم