ما هو أفضل مذهب في المذاهب الأربعة؟

1 إجابات
profile/دمحمد-الطويل-1
د.محمد الطويل
دكتوراة في الفقه وأصوله (٢٠١٠-٢٠١٣)
.
٠٦ يناير ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
كل المذاهب الأربعة مذاهب سنية فقهية معتبرة عند أهل الإسلام ، بأي مذهب منها تمذهب المسلم جاز له ، لأن أئمتها كلهم أئمة عظام أجلاء مجتهدون ، قصدوا  باجتهاداتهم إصابة الحق والوصول إلى حكم الله في المسألة بحسب ما أداهم إليه اجتهادهم وأداوتهم وما فتح الله عليهم به ، وبحسب ما بلغهم من العلم والنصوص الشرعية .

فكلهم مقصدهم رضا لله ورسوله وطاعة الله ورسوله واتباع أمر الله ورسوله وإصابة حكم الله ورسوله ، وليس واحد فيهم يزعم أن قوله هو المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، بل كلهم يصيب ويخطئ  .

فبأي مذهب تعلمت وتمذهبت جاز لك ذلك ، ولكن بلا تعصب يحملك على متابعة قول المذهب مع ظهور ضعفه ومخالفته للحديث الصحيح ، فهذا هو المذموم .

لأن الله لم يفرض اتباع الأئمة الأربعة أو أحدهم ، وإنما فرض عليك طاعته وطاعة رسوله ، ومقصد كل واحد من الأئمة الأربعة إنما كان إصابة حكم الله وحكم رسوله ، فإذا تبين بالأدلة الصحيحة أن قول إمام معين خالف الصواب فهو معذور فيه لأن هذا ما أداه اجتهاده ، ولربما لم يصل إليه حديث معين أو بلغه وظنه ضعيفا وغير ذلك من الأعذار التي تذكر للعلماء الكبار في مخالفتهم للنصوص الصحيحة ، أما المتبع لمذهبهم إذا علم أن إمامه خالف النص الشرعي ومع ذلك تبعه فقد خالف حكم الله وخالف مقصود إمامه في إصابة حكم الله و صارت متابعته له ضلالا حينها !

قال الشاطبي رحمه الله - وهو من علماء المالكية -  : “ولا يتعصب لمتبوعه - من الأئمة - بالتمادي فيه، لأن ذلك يؤدي إلى مخالفة الشرع أولاً ثم مخالفة متبوعه، …لأن كل عالم يصرح أو يعرض بأن اتباعه على شرط أنه حاكم بالشريعة لا بغيرها، فإذا ظهر أنه حاكم بخلاف الشريعة خرج عن شرط متبوعه بالتصميم على تقليده”.

وقد رويت آثار عن علماء المذاهب الأربعة تأمر بتقديم قول رسول الله إذا تبين أن قول الإمام خالفه ، ومما روي في ذلك :

- قال  الإمام أبو حنيفة رحمه الله : “إذا صحّ الحديث فهو مذهبي”.

- وقال الإمام مالك رحمه الله  " إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه"

– وقال الإمام الشافعي رحمه الله “إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت”.

- وقال الإمام أحمد رحمه الله “لا تقلّدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخُذ من حيث أخذوا”.

وإذا تقرر ما سبق وتبين أنه جاز للمسلم متابعة أي مذهب من المذاهب الأربعة ولكن دون تصعب مذموم يخرج صاحبه عن السنة ، بيقى مسألة المفاضلة بين المذاهب.

فهذه المفاضلة إن كان المقصد منها التعصب وكانت بلا إنصاف ، كانت مذمومة ، وإن كان المقصد منها معرفة أكثر المذاهب إصابة للصواب وأقرب للنص الشرعي مع معذرة باقي المذاهب ومعرفة حقها فذلك ممكن ، والأنظار تختلف في ذلك .

قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى " فمن ترجح عنده تقليد الشافعي: لم ينكِر على من ترجح عنده تقليد مالك ، ومن ترجح عنده تقليد أحمد، لم ينكِر على من ترجح عنده تقليد الشافعي ، ونحو ذلك.

ولا أحد في الإسلام ، يجيب المسلمين كلهم بجواب عام: أن فلانا أفضل من فلان ، فيقبل منه هذا الجواب؛ لأنه من المعلوم أن كل طائفة ترجح متبوعها ، فلا تقبل جواب من يجيب بما يخالفها فيه، كما أن من يرجح قولا أو عملا ، لا يقبل قول من يفتي بخلاف ذلك.

لكن إن كان الرجل مقلدا : فليكن مقلدا لمن يترجح عنده أنه أولى بالحق.

فإن كان مجتهدا : اجتهد ، واتبع ما يترجح عنده أنه الحق ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

وقد قال تعالى: فاتقوا الله ما استطعتم .

لكن عليه أن لا يتبع هواه ، ولا يتكلم بغير علم. قال تعالى: ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم، وقال تعالى يجادلونك في الحق بعدما تبين.

وما من إمام إلا له مسائل يترجح فيها قوله على قول غيره.

ولا يَعرِف هذا التفاضل إلا من خاض في تفاصيل العلم " .

ومع مراعاة كل ما سبق يمكن أن نقول أن أكثر المذاهب عملا بالسنة والحديث هو مذهب الإمام أحمد لأنه كان أكثر علماء المذاهب اطلاعا على السنة والآثار ، ومذهب مالك والشافعي قريبان من ذلك  .

 قال الشيخ محمد بن عبدالحي اللكنوي رحمه الله -  وهو من كبار علماء الحنفيَّة في الهند - : “ومَن نظر بنظر الإنصاف، وغاص في بحار الفقه والأصول متجنِبا الاعتساف، يعلم علمًا يقينيا أن أكثر المسائل الفرعية والأصلية التي اختلف العلماء فيها، فمذهب المحدثين فيها أقوى من مذاهب غيرهم، وإني كلما أسير في شعب الاختلاف أجد قول المحدثين فيه قريبا من الإنصاف، فلِلّه درهم، وعليه شُكرهم، كيف لا وهم ورَثَةُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم حقا، ونوَّاب شَرعِه صِدقًا، حشَرَنا الله في زُمرتهم، وأماتَنا على حبِّهم وسِيرتهم" .

والله أعلم


  • مستخدم مجهول
  • مستخدم مجهول
قام 2 شخص بتأييد الإجابة