الذي يوقع العبد في المعاصي والذنوب هو ضعف إيمان في لحظة تورث العبد غفلة عن مراقبة الله واندفاعاً نحو نيل شهوة من الشهوات، فيطلب الشهوة بما حرم الله لغفلته عن مراقبته وتعظيمه عند وقوعه في المعصية .
والتأمل في خلق الله وكونه وما أودعه في هذا الكون من عجائب وبدائع يفترض أن ترفع إيمانك وتزيد من تعظيمك ومراقبتك لله سبحانه وهذا يعتبر مضاد للعامل الذي يدفعك إلى المعصية، وهو ما سيقودك إلى التوبة والإنابة.
فإنك لما تنظر في هذا الكون الفسيح وما فيه من خلق ونظام محكم متقن وتتأمل ذلك بعيني قلبك قبل عيني رأسك ، فإنك لن تملك نفسك - إن أنصفتها - عن أن تقر بعظمة هذا الخالق الموجد المدبر الذي أحسن كل شيء خلقه وأتقنه ، وهذه العظمة تورثك خشية وهذه الخشية تورثك ندماً على ما معصيتك ومخالفتك أمر هذه الرب العظيم الذي تشاهد آيات صنعه، فكيف لك أنت أيها المخلوق العاجز أن تعصي أمر هذا الرب العظيم المتصرف !
ألا تخشى من عقابه وعذابه !
ثم إن مثل هذا التدبر والتأمل في خلق الله وصنعه يزيديك يقيناً بصدق ما أخبرك به هذا الرب المدبر عن ثوابه لمن أطاعه وعقابه لمن عصاه ، وهذا اليقين سيبعدك عن المعاصي ويدفعك للتوبة أكثر وأكثر.
ومثل هذا التدبر فيه من الفوائد أيضاً أنه يجعلك توقن أن هذه الكون لم يخلق عبثاً لا لحكمة وإنما له حكمة وغاية ، فهو لم يخلق باطلاً بل للحق وبالحق!
وهذا بحد ذاته يرجعك للتفكير في نفسك وغاية خلقك وهل حققت المقصود منها !
ألا تستحي من نفسك أن كل ما في هذا الكون مطيع خاضع لربه وأنت أيها الإنسان على ضعفك وحدك العاصي المتجبر!
وقد أخبرنا الله عن فوائد هذا التدبر في آيات عظيمة في ختام سورة آل عمران حيث قال تعالى :
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) .
"قال الشيخ أبو سليمان الداراني : إني لأخرج من منزلي ، فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله علي فيه نعمة ، أو لي فيه عبرة "
فالخلاصة أن عبادة التدبر والتفكر في الكون والخلق تزيد من إيمان العبد ومعرفته بربه وتعظيمه له ومحبته وخوفه ، وهذه عوامل تدفع العبد للتوبة والإقبال .
والله أعلم