هذه القاعدة معناها: أنه لا يجوز للمسلم أن يؤثر غيره من الناس في العبادات أو القربات إلى الله والفضائل الدينية التي يترتب عليها حسنات، فيكون وهب أو آثر غيره في ثواب هذه العبادات وفي حسناتها.
فمثلاً من المعلوم أن الصف الأول في المسجد له أجر أكبر وأعظم، فإذا سبقت إلى الصف الأول فإنه لا ينبغي لك أن تعطي مكانك لغيرك وتؤثره على نفسك في الحسنات.
وكذلك لو معك ماء تتوضأ به وليس معك غيره وصاحبك ليس معه ماء لا يجوز لك أن تعطيه الماء وتتيمم أنت.
وهذه القاعدة ذكرها العلماء الشافعية خصوصاً ونقلوا الاتفاق عندهم في المذهب على أنه لا إيثار في القربات، وعللوا ذلك أن هذا الإيثار يشعر بإعراضك عن الحسنات ورغبتك عن الله وبعدك عنه وتقديم غيرك في ذلك فكأنك معرض عن الله، والله سبحانه أهم موضوع وأعظم ما يشتغل به العبد ويقبل عليه فكيف يقدم غيره في ذلك.
وقالوا إن الإيثار المشروع يكون في الدنيا وحظوظها لا الآخرة وحظوظها، كما فعل الأنصار رضي الله عنهم لما آثروا المهاجرين في ديارهم وأموالهم.
واستدلوا على عدم جواز الإيثار في القربات بحديث ابن عباس: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: لا، والله لا أوثر بنصيبي منك أحداً، فتله (وضعه) رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده" (متفق عليه)
قالوا فهذا الغلام - وهو ابن عباس - رفض أن يؤثر بنصيبه من رسول الله أحداً ولم ينكر عليه النبي عليه الصلاة والسلام ذلك.
وقد ذكروا أن الإيثار في القربات له ثلاثة أحكام:
1. أن يكون محرماً: كما لو آثر بالماء الذي معه غيره مع أنه لا يملك غيره وهو يحتاجه للوضوء.
2. أن يكون مكروهاً: كمن قدم غيره عليه في الصف الأول.
3. خلاف الأولى: كمن جعل غيره أقرب منه للإمام في نفس الصف.
ولكن ذهب بعض العلماء في المقابل إلى جواز الإيثار في القربات خاصة لما يكون هناك مصلحة في ذلك كتطييب خاطر آخر أو تألفه، وقال هؤلاء العلماء جواباً على حجج الفريق المانع من الإيثار أن هذا الإيثار يقصد به الأجر أيضاً فهو لم يعرض عن الحسنات أو عن الله بل أراد وجه الله ولكن بطريق آخر.
أما الحديث فهو يدل على جواز الإيثار لأن النبي عرض عليه ذلك وطلب منه أن يؤثر غيره، ولو كان ذلك مكروهاً لم يطلب منه ذلك.
وممن قرر ذلك ابن القيم رحمه لله وقال إن قول من قال إن الإيثار في القربات ممنوع لا يصح.
والله أعلم