للألوانِ تأثيرٌ نفسي عميق على مزاج بعض الكائنات الحية. تخيل لو كان الحياة بلونٍ موحد! او أنها موشّاة باللون البيض والأسود فقط! حاول ان تنظر إلى فيلم قديم؛ فيلم ما قبل الألوان، ما هو الشعور الذي يراودك الآن؟ هل يمكنك متابعة الفيلم للنهاية؟
عند التأمل في الطبيعة، ستجد تنوعًا لا مثيل له في الألوان ودرجاتها. مما دعى العلماء لدراسة هذه الظاهرة، وتناولوها في أبحاثهم لسنين عدة. واستطاعوا اكتشاف عدة امور مذهلة حول دور الألوان في حياة الكائنات المختلفة.
- في النباتات :
وجدوا أن الضوء البنفسجي يساعد على نمو العنب، والضوء الأحمر يساعد على إنبات الحبوب والبذور، فيما يساعد اللون الأحمر والبرتقالي والأصفر على نمو الخلايا الصغيرة، أما الألوان الأخضر والأزرق والبنفسجي، فتبطئ من نمو تلك الخلايا. كما اكتشفوا أهمية الأشعة فوق البنفسجية والزرقاء في تحفيز تكوين اللون الأحمر في ثمار التفاح. وفي نفس الوقت هذه الأشعة تضر بعض النباتات فتؤدي إلى تقزمها، والتقليل من نمو القمم النامية على الجبال. أما الأشعة النظيرة؛ وهي الأشعة تحت الحمراء فإن لها دورًا مهمًا في تسريع إنبات بعض البذور. وكما هو معروف، يحدث تغيّر في الوان معظم النباتات في الخريف وحتى الشتاء. فيتحول لون أوراق نبات القيقب من اللون الأصفر للبرتقالي للأحمر بسبب تنوع صبغة الكلوروفيل فيها، حيث أن صبغة الكلوروفيل لا يقتصر لونها على اللون الأخضر بل يتنوع للاحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق وحتى البنفسجي.
إن هذا التنوع اللوني في النباتات مهم لعمليات تلقيح الزهور من خلال جذب الحشرات لها، كما أن الألوان تساعد في حماية التبتة نفسها من خلال إبعد الكائنات الحية عنها، وأيضًأ تسهم بعض الألوان في التقاط ضوء الشمس أو جذب الحشرات لالتهامها من قبل النباتات المفترسة.
- في الحيوانات:
قام العلماء بإجراء الدراسات على تأثير الألوان على الحيوانات و علاقتها بقوة تركيز الحيوانات، ومن ضمن التجارب التي نفذوها:
* تعريض الدجاج لضوء صناعي ملون، فوضعن البيض أسرع بكثير من الوقت الاعتيادي.
* اكتشاف أنّ الحشرات القارضة عديمة الأرجل من فصيلة “أم أربع وأربعين” تحب اللون الأحمر والبرتقالي والأصفر وتهرب من اللون الأزرق والبنفسجي والأخضر.( وهذه فكرة حسنة لمحاربتها)
* الفراشات تحب بوجه خاص الالوان الزرقاء والخضراء والبنفسجية.
* الذباب يحب جميع الالوان ما عدا اللون الازرق فإنه ينفر منه.
* يتغير لون الحرباء من الأخضر الداكن إلى الأخضر الفاتح حسب الظروف التي تؤثر عليها.
* استخدام المناظير ذات الألوان الصفراء والحمراء للحمام الزاجل لا يؤثر عليها فتعود بسهولة، أما المناظير ذات اللون الأخضر والأزرق، فقد عاقت الحمام الزاجل من العودة إلى داره، إذ بدت الدنيا أمامه وكأنها ظلام.
كما اكتشف العلماء أن تنوع الألوان في الحيوانات لم يكن لهدفٍ جماليٍّ فقط ولكن قد يكون لأهدافٍ أخرى منها للتمويه، أو اقتناص الفريسة، أو التخلص من الأشعة فوق البنفسجية، أو التكاثر، أو إخافة المفترسين، أو الدفاع عن النفس؛ إذ يكون جلد هذه الحيوانات مزدانًا بالألوان، لكنه سام أو ذو طعم كريه. إن قوة التركيز لدى الحيوانات تزداد عند تعرضها للألوان التي ترغبها، وتكون أقل عند التعرض لألوان تنفر منها، فيمكن هنا استخدام اللوان في جذب أو مكافحة هذه الحيوانات.
هذه لغة الألوان، التي تتخاطب بها الكائنات الحية دون كلام، لتستطيع البقاء في عالم كبير موحش، ولتكمل دورة حياتها ببعض الحيل والبهرجة الملونة. فسبحان من أبدع في خلقه.
المراجع: