ما سبب الفوضى والتفكك الظاهرين في بناء القصيدة الجاهلية يحجبان نظاما وتماسكا .وهي في مضمونها صورة لهواجس الأنا وقيم المجموعة؟

1 إجابات
profile/مريم-الصفدي
مريم الصفدي
(الّلغة العربيّة وآدابها)
.
٠٦ نوفمبر ٢٠١٩
قبل ٥ سنوات
تبدو القصيدةُ الجاهليّة عند القراءة الأوليّة لها عبارةً عن مجموعاتٍ من الأبيات، تعبّر كلّ مجموعةٍ منها عن موضوعٍ قد لا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بما قبله أو بعده؛ فنجدُ الشّاعر الجاهليّ يختطّ نمطًا ما لقصيدته ينتقل بهِ من معنىً إلى آخرَ بصورةٍ غير مترابطةٍ ظاهريًّا، فيبدأ بالوقوفِ على الطّلل مثلًا، لينتقل منه إلى الغزل أو النّسيب، وما يلبثُ أن يبدأ بوصف رحلةٍ أو سفرٍ بعيد، ومن ثمّ يصفُ ناقته أو راحلته، وينتقل من كلّ ذاك إلى الفخرِ بصفاته وشيمهِ ونسبه، وعلى هذا المنوال من التفكّك الظاهريّ في القصيدة نسجَ الشاعر الجاهليّ معظم إنتاجه؛ فلا نكاد نجد قصيدةً تبدأ بمعنىً واحدٍ وتنتهي به. والتّفسيرات لهذا التفكّك لدى النّقاد والدّارسين كثيرة، فمنهم من يراه انعكاسًا طبيعيًا لشكل البيئة الجاهليّة؛ إذ حتّمت على الشاعر كثرةَ التّرحال والتنقّل في الصّحراءِ والبيئاتِ القاسية، والتّذبذبَ في الانشغال ما بين همومِ نفسه وقيمِ جماعته وقبيلته وحروبِها وأيّامها، فكان هذا الاضطراب في نمطِ المعيشةِ منعكسًا دائمًا على طبيعة القصيدةِ الصّادرة عن ذاك الإنسانِ الجاهليّ المشتَّت. وذهب غير هؤلاء -كابن قتيبة- إلى غير هذا في تحليلِ قضيّة تفكّك القصائد أو تماسكها، فرأى أنّ القصيدة الجاهليّة إنّما هي وحدةٌ كاملةٌ غير مُجزّأة، وأنّ كلّ موضوعٍ من موضوعاتها خادمٌ لمقصد الشّاعر من وجهٍ من الوجوه، وأنّ معظمَ المقدّمات التي يبدأ بها الشاعرُ قصيدته مقصودةٌ لجذب انتباه السّامعين وكسب عواطفهم، فهو حين يبكي على الطّلل، أو يخاطب ربعه ويستوقفهم عند ديار المحبوب، إنّما ينظِم ذلك محاكاةً لحالةِ المستمعينَ النّفسيّةِ له، ثمّ يلجُ منه إلى مطلبه ومقصده من القصيدة، فخرًا كانَ أم مديحًا أم غير ذلك. 

  • مستخدم مجهول
قام 1 شخص بتأييد الإجابة