روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص ان رسول الله قال ( "بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار )
وروى أبي هريرة رضي الله عنه قال : كانَ أهْلُ الكِتَابِ يَقْرَؤُونَ التَّوْرَاةَ بالعِبْرَانِيَّةِ، ويُفَسِّرُونَهَا بالعَرَبِيَّةِ لأهْلِ الإسْلَامِ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لا تُصَدِّقُوا أهْلَ الكِتَابِ ولا تُكَذِّبُوهُمْ، وقُولوا: {آمَنَّا باللَّهِ وما أُنْزِلَ إلَيْنَا} الآية .
فالحديث الأول فيه رفع الحرج في نقل ما وجد في كتب أهل الكتاب والتحديث بذلك والإخبار به ما دام الناقل أوضح ان ذلك مما تلقاه منهم ولم ينسبه إلى الشرع او إلى النبي عليه السلام .
بينما الحديث الثاني يبين الموقف منها وهو عدم تصديقها أو تكذبيها والتسليم لله ، وهذا طبعا في القسم الذي لم يأت نص من الشرع على التصديق به او تكذبيه. .
لإن الإسرائيليات على ثلاث أنواع :
1. ما جاء الشرع بتصديقه وتاكيده ، فيجب اعتقاده والإيمان به وتصديقه .
2. ما جاء الشرع بتكذبيه سواء بنص خاص او كانت نصوصه العامة تنفيه ، فيجب تكذبيه ورفضه ، ولا يروى إلا مع بيان كذبه وللتدليل على تحريف أهل الكتاب كتابهم .
3. ما لم يات الشرع بتصديقه ولا تكذبيه ، وهو القسم الذي يتوقف فيه كما أخبر الحديث السابق أعلاه.
والشارع أباح الرواية عن كتب أهل الكتاب فيما لم يعلم كذبه وهو من باب الاستئناس والاتعاظ لا الاستدلال وبناء الأحكام الشرعية .
وكتب التفسير التي ذكرت الإسرائيليات هي بين مقل ومكثر ومتوسط ، فبعضها توسع فيها اتساعا أسرف فيه حتى نقل ما لا يعقل أو يبعد حصوله واشتغل فيها واعتمد عليها كالثعلبي وهذا خطا وكان كما وصفه ابن تيمية ( كحاطب ليل ) .
ومنهم من توسط او أكثر وجعل العهدة على القارئ كالطبري في تفسيره .
ومنهم من ذكر منها طرفا وتتبعها نقدا فيما لا يعتمد عليه كتفسير ابن كثير .
وكثير مما في التفاسير من الإسرائيليات لا يحتاج إليه ولا فائدة كثيرة منه ، وقليل منها ما تظهر فيه فائدة .
قال ابن كثير في تفسيره :
( ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تُذكر للاستشهاد، لا للاعتضاد، فإنها على ثلاثة أقسام:
أحدها:ما علمنا صحتَه مما بأيدينا مما نشهدُ له بالصدق، فذاك صحيح.
والثاني: ما علمنا كذبَه بما عندنا مما يخالفه.
والثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمِنُ به ولا نكذّبه، وتجوزُ حكايتُه لما تقدّم، وغالبُ ذلك مما لا فائدة فيه تعودُ إلى أمرٍ دينيّ، ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيراً، ويأتي عن المفسرين خلافٌ بسبب ذلك، كما يَذكرون في مثل أسماء أصحاب الكهف ولون كلبهم وعِدّتهم، وعصا موسى من أيِّ شجرٍ كانت؟ وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضُرِبَ به القتيلُ من البقرة، ونوع الشجرة التي كلَّم الله منها موسى إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن، مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دينهم ولا دنياهم ]
والله أعلم