الحديث المسؤول عنه رواه الإمام أحمد في المسند والبيهقي في دلائل النبوة والطيالسي وغيرهم ، وصححه الألباني وحسنه شعيب الأرنؤوط .
ونص الحديث كما في مسند الإمام أحمد كالتالي :
" عن النعمان بن بشير رضي الله عنه الله، قال: كنا جلوساً في المسجد فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال: يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء، فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته. فجلس أبو ثعلبة. فقال حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت.
قال حبيب: فلما قام عمر بن عبد العزيز، وكان يزيد بن النعمان بن بشير في صحابته، فكتبت إليه بهذا الحديث أذكره إياه. فقلت له: إني أرجو أن يكون أمير المؤمنين - يعني عمر - بعد الملك العاض والجبرية، فأدخل كتابي على عمر بن عبد العزيز فَسُرَّ به وأعجبه. " .
أما معنى الحديث : فالنبي عليه السلام يتكلم على مراحل هذه الأمة :
- فقوله ( تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ) :فهو مدة مكوث النبي عليه الصلاة والسلام بين ظهراني الأمة وهي 23 عاما ، ثم رفعت بوفاة النبي عليه الصلاة والسلام .
- وقوله ( ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ) : فهي مدة الخلافة التي تسير في هديها على سنة النبي عليه الصلاة والسلام في الحكم ، وهذا معنى كونها على منهاج النبوة ، يعني على طرق النبوة وخطاها وهديها في تحري العدل والالتزام بالأحكام الشرعية والبعد عن الظلم ورفع علم الدين ، وهي مدة حكم الخلفاء الراشدين الأربعة والتي استمرت (30 ) سنة ، وبعض العلماء يلحق بها حكم الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما والذي استمر 6 أشهر قبل أن يتنازل لمعاوية رضي الله عنه .
والدليل أن الخلافة الراشدة الأولى محصورة في هذه الفترة هو حديث سفينة مولى رسول الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الْخِلاَفَةُ فِي أُمّتِي ثَلاَثُونَ سَنَةً، ثُمّ مُلْكٌ بَعْدَ ذَلِكَ.
ثُمّ قَالَ سَفِينَةُ: امْسِكْ عَلَيْكَ خِلاَفَةَ أَبي بَكْرٍ، ثُمّ قَالَ: وَخِلاَفةَ عُمَرَ وَخِلاَفَةَ عُثْمانَ، ثُمّ قَالَ لي: امسِكْ خِلاَفَةَ عَلِيّ قال: فَوَجَدْنَاهَا ثَلاَثِينَ سَنَةً. ( رواه أحمد) .
- وقوله ( ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ) : فمعنى عاضا : يعني يعض فيه بعضهم بعضا ، يعني يظلم ، فهي فترة حكم لأمراء يحدث فيها ظلم وتعسف وجور ، مع وجود عدل في المقابل وظهور بعض حكم الشريعة .
وهذه الفترة لربما تشمل فترة حكم الدولة الأموية والدولة العباسية وما عاصرها من دول وإمارات ، كان حكم الشريعة فيها ظاهر سائد ، مع وجود ظلم وتعسف بالرعية ، وهذا الظلم يشتد أحيانا ويخف أحيانا ، ثم هو كلام على الأغلب ، وغن كان قد يتخلل ذلك بعض الفترات التي يظهر فيها العدل ويسود كما في حكم عمر بن عبد العزيز .
وقوله ( ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ) : فمعنى الجبرية هنا من الجبروت والقهر وشدة الظلم والتعسف ، وليس أن فيه وراثة للحكم فقط ، لأن الملك العضوض كان فيه وراثة للملك أيضا
قال ابن الأثير في النهاية: ثم يكون مُلك وجَبَرُوت: أي عُتُوّ وقَهْر. يقال: جَبَّار بَيّن الجَبَرُوّة، والجَبريَّة، والْجَبَرُوت .
فهو كناية عن اشتداد الظلم والتعسف والقهر ، حتى يختفي العدل تقريبا ، ولربما هذا هو الزمن الذي نعيش فيه وما قاربه من قرون ذهبت فيه أعلام الشريعة واختفى العدل وفشى الظلم .
- وقوله ( ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ) ، فهي بشرى بعودة قوة المسلمين ودولة لهم تسير على هدي النبي عليه الصلاة والسلام فتستحق أن توصف بأنها خلافة راشدة ، وجاء في بعض الاحاديث الضعيفة تفسير هذه الخلافة بأنها حكم المهدي الذي يظهر آخر الزمان وهو من سلالة النبي فيملأ الأرض كما ملأت جورا .
فحكم المهدي وما مهد له من حكم هو الفترة المقصودة بهذا الوصف.
والله أعلم