ما تفسير قوله تعالى (إني لأجد ريح يوسف).. لماذا أجد وليس أشم

1 إجابات
profile/د-محمد-ابراهيم-ابو-مسامح
د. محمد ابراهيم ابو مسامح
ماجستير في التربية والدراسات الاسلامية
.
٢٢ مايو ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
 - قال الله تعالى: (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ * قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ * فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) سورة يوسف آية 94/96

- في هذه الآية الكريمة تبين لنا معجزة عظيمة حصلت مع سيدنا يعقوب عليه السلام بأن الريح كانت قد استأذنت ربها في أن تأتي سيدنا يعقوب عليه السلام برائحة يوسف قبل أن يأتيه البشير، فأذن لها ربها، فأتته بها. فوجد ريحها سيدنا يعقوب قبل أن يأتي البشير بقميص يوسف.

- يقول مجاهد بأن سيدنا يعقوب عليه السلام قد أصاب ريح القميص مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَقد روي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أن سيدنا يعقوب أحس بريح يوسف مِنْ مَسِيرَةِ ثَمَانِ لَيَالٍ. وذكر ابن عباس، قوله: (ولما فصلت العير) ال: فلما خرجت العير من مصر هبت ريح، فذهبت هذه الريح بريح قميص يوسف إلى سيدنا يعقوب عليه السلام، فقال: (إني لأجد ريح يوسف) قال: ووجد ريح قميصه من مسيرة ثمانية أيام.

- كما قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ بَيْنَهُمَا ثَمَانُونَ فَرْسَخًا. وَقِيلَ: هَبَّتْ ريح الصبا فَصَفَّقَتِ الْقَمِيصَ فَاحْتَمَلَتْ رِيحَ الْقَمِيصِ إِلَى يَعْقُوبَ فَوَجَدَ رِيحَ الْجَنَّةِ فَعَلِمَ أَنْ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ مِنْ رِيحِ الْجَنَّةِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْقَمِيصِ، فَلِذَلِكَ قَالَ: إِنِّي لِأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ. ﴿لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ﴾، أي لولا أن تُسَفِّهُونِي، أما الضحاك فقد قال في تفسير لولا تفندون أي تهرِّمون فَتَقُولُونَ: شَيْخٌ كَبِيرٌ قَدْ خَرَّفَ وَذَهَبَ عَقْلُهُ. وقيل: تضعفون.

فعندما فصلت العير أي فارقت القافلة عريش مصر وخرجت من حدود مصر ودخلت في حدود الشام، قال سيدنا يعقوب عليه السلام للحاضرين من أهله وأبناء بنيه: (إني لأجد ريح يوسف)،

 أي إني أشمّ رائحة يوسف عليه السلام التي كانت في القميص، بالرغم من بعد المسافات الطويلة والبعيدة بين القافلة وبين المدينة التي فيها يعقوب عليه السلام، وهذا من دلائل النبوة التي أعطاها الله سبحانه وتعالى ليعقوب.

فيخبر سيدنا يعقوب عليه السلام بأنه يجد رائحة يوسف التي غابت عنه منذ زمن طويل ويطلب من قومه أن لا ينسبوا إليه الخرف والضياع.

أما لماذا لم يقل سيدنا يعقوب عليه السلام: (إني لأشم ريح يوسف)، بل قال: (إني لأجد ريح يوسف)
لأن سيدنا يعقوب عليه السلام كان قد وجد شيء ضائعا، وهو ابنه يوسف وكانت قد ضاعت منه كذلك رائحة يوسف عليه السلام فأحس وشم سيدنا يعقوب هذه الرائحة، وتعرَّف عليها جيداً لأنه كان يبحث عنها طوال سنوات، وهذا يدل على أن سيدنا يعقوب وجد ضالته التي كان يبحث عنها كما يدل على الثقة الكبيرة لسيدنا يعقوب بهذه الرائحة، وأن يوسف لا يزال حياً. 
- فإيجاد الشيء يدل  على معنى الضياع، وسيدنا يوسف كان ضائعاً فوجد ريحه لتعطي المعنى النفسي للذي يفقد ضائعاً.
 
فالله تبارك وتعالى كان قد أوْصَل إلى سيدنا يَعقوبَ عليه السلام رِيحَ يوسُفَ عليه السَّلامُ عندَ انْقِضاءِ مُدَّةِ الابتلاء والمِحنةِ، ومَجِيءِ وقتِ الرَّوْحِ والفرَحِ مِنَ المكانِ البَعيدِ، ونلاحظ بأنه قد مَنَعَ مِن وُصولِ خَبَرِهِ إليه على الرغم من قرب إحدى البلدتَيْنِ مِنَ الأُخْرى طوالَ سنواتِ هذه المحنةِ، وذلك يدلُّ على أنَّ كلَّ سَهْلٍ فهو في زَمانِ المِحنَةِ صَعْبٌ، وكلَّ صعبٍ فهو في زمانِ الإِقبالِ سَهْلٌ  

ومن أجل ذلك ينبغي على المسلم أن يحسن الظن بالله تعالى وأنه مهما تطاولت الشدة، فلا بد أن يأتي الفرج وأن الفرح هو نهاية كل حزن وألم

  وهذه من المعجزات العظيمة التي أحدثها الله تعالى لسيدنا يعقوب كما أحدثها الله تعالى لسيدنا سليمان عندما أتى الجن بعرش بلقيس!!