أثرت العديد من الحركات في ظهور الشعر العربي الحديث كما هو اليوم، حيث تغير مظهر الشعر االتقليدي إلى ما هو عليه الآن. هذه الحركات الخمس هي:
* إحياء التراث القديم وحبّه.
* الترجمة عن الأدب الغربي والتأثر به.
* الدعوات التجديدية والهجوم على التقليد.
* الثورة على الواقع لتطوير المجتمع ليصبح مجتمع حضري عصري.
* تحديث اللغة الشعرية ووظيفتها.
ووفق ذلك ظهرت العديد من المدارس الأدبية التي تشابهت في بعض الخصائص، واختلفت في بعضها الآخر. ومنها المدرسة الواقعية، ومدرسة المهجر.
المدرسة الواقعية:
ظهرت هذه المدرسة في القرن التاسع عشر، وكان اتجاهها عامَا وتشمل العديد من النواحي الروحية. وأول ما ابتدأت مع الرسام كوربيه لتنتقل بعدها للأدب، حيث قام بنقل إحساسه نتيجة نظره للمجتمع وأحواله. ظهرت المدرسة الواقعية بعدة اتهات فرعية منها:
1. الواقعية الانتقادية: والتي اعتبرت أن الواقع مزيف بشروره وآثامه، ولا يوجد ما يسمى بالقيم المُثلى. كان شعرهم وأدبهم تشاؤميًّا. من أهم روادها تولستوي، وديكنز، ودوستويفسكي، وكافكا، وهمنغواي. حيث ظهرت الواقعية الانتقادية في جزء كبير من إنتاجهم الأدبي تجاه مجتمعهم في وقته الراهن.
2. الواقعية الطبيعية: وهي شكل حاد من الواقعية، بحيث تلتصق التصاق مبالغ بالمادي والمحسوس. حيث وثقوا صلة الأدب بالحياة، وصوروا الواقع الاجتماعي بمختلف أبعاده. ومنهم إميل زولا الذي دعا لتطبيق نظرية أصل الأنواع لداروين، وفلوبير. حيث كانت كتاباتهم تؤدي لنتائج توصل إليها العلم، فالسلوك الإنساني ينبع من المؤثرات الوراثية والبيئية والجسمانية.
3. الواقعية الاشتراكية: وضع هذا المصطلح مكسيم غوركي، وهي حصيلة للنظرة الماركسية في الفن والأدب، وهي حصيلة للأدب السوفيتي الذي دعا للالتزام بأهداف الطبقة العاملة والنضال لتحقيق الاشتراكية. كما يتم التأكيد دومًا على النزعة الإنساني، والالتزام بالرسالة تجاه المجتمع. كما تلتزم بنظرة مستقبلية بتصور ميلاد الغد من اليوم، والإيمان بقدرة الإنسان اللامحدودة دون الهرب من الواقع. ومن روادها: غوركي، وكامي، وأونيل، وبرنارد شو.
ظهرت الواقعية في الأدب العربي في منتصف القرن العشرين، حيث اختصت ببعض السمات العامة، منها:
* الأدب الرفيع هو وصف ما هو كائن، والدعوة إلى ما يجب أن يكون. فيجب مواجهة الواقع بدلًا من الهروب منه.
* يتجاوز الواقعيون العوامل الخيالية، ويضبطون انفعالاتهم ضمن النظرة الموضوعية.
* يحتفلون بالمبادئ الوطنية والقومية والإنسانية، ويطالبون بالتحرر من المستعمر، ومن التخلف الحضاري.
* الشاعر عندهم دليل أمته في محنها، والأدب وسيلة من وسائل البناء للوصول للحرية والسعة والقوة.
* يتحدثون عن الواقع الذاتي والاجتماعي للنفس البشرية. فلا يكتفون بتصوير السلبيات الواقعية وانتقادها، بل يعملون على التغيير.
* يتاح للشاعر الواقعي أن يتناول أي شيء في كتاباته، منها القصور، والزهر. شريطة أن يكون موجهًا للإنسان وتطويره، دون التحول للهتافات، والشعارات، أو أدب الفوتوغرافيا الذي يجرّد حيوية الصورة.
* تنتزع الواقعية العربية من جميع المذاهب أنضج ما فيها، مع مضامين مستمدة من الواقع المتجدد.
* استخدمت لغة حية قريبة من كلام الناس، وابتعدت عن الصعوبة والتكلف، والإطالة والابتذال.
* الاهتمام بالصور الكلية الممتدة بدلًا من من الاقتصار فقط على الصور الجزئية.
* كل قصيدة هي وحدة موضوعية تُبنى بها الصور والأفكار والعواطف في هيكل متطور.
* ظهور التحرر من القافية والبحر، وتكتفي بوحدة التفعيلة دون الارتباط بعدد محدد في الأسطر الشعرية.
* الاعتماد على موسيقى الشعر الداخلية التي تتمثل في الصور الملائمة والمعبرة، واختيار الألفاظ والمفردات.
* الابتعاد عن الخطاب، والمباشرة، والوعظ، والإكثار من التفاصيل.
* تكوينات القصائد الواقعية: سطور شعرية لا أبيات شعرية، وتقسم لمقاطع كل منها يمثل دفعة شعرية جديدة.
من الأسماء التي تشتهر بها المدرسة الواقعية والتي ذاعت في العصر الحالي: مدرسة الشعر الحر، مدرسة الشعر المنطلق، المدرسة الجديدة، مدرسة شعر التفعيلة.
ومن روادها العرب: توفيق الحكيم، وطه حسين، ونجيب محفوظ، ومحمد تيمور، وميخائيل نعيمة، وكمال بدوي، وسميح القاسم، ومولود فرعون، وسليمان الحليلي.
[1] مدرسة المهجر:
ظهر الاتجاه الرومانسي بوساطة الشاعر خليل مطران، حيث دعا إلى الحرية الفنية بحيث تحترم الشاعر وشخصيته واستقلال الفن عن الأناقة الزخرفية والصناعات. كما دعا إلى دعم وحدة القصيدة وإبراز ما في الوجود كموضوع شعري أهل ليعتني به الشاعر، ويستحق التناول الفني عندما يتمكن الشاعر من التفاعل والتجاوب معه، والجمع بين الموضوعات الإنسانية والعواطف الذاتية، وهنا يظهر التجديد وإخراج الشعر من الجمود. وقد تعزز الاتجاه الرومانسي من خلال ثلاث مدارس شعرية كبيرة هي: مدرسة الديوان، مدرسة أبولو، ومدرسة المهجر التي كان من روادها الريحاني وجبران ونسيب عريضة. أطلق على الاتجاه الرومانسي لقب الاتجاه التجديدي الذي أظهر العديد من الخصائص، منها:
* ظهور الطابع الإنساني لتجاربهم الأدبية.
* الوحدة الموضوعية والعضوية، فالقصيدة كل متكامل.
* التعبير الحر والاهتمام بعمق ووضوح واستيفاء الفكرة.
* التأمل والتعلق بالطبيعة، واعتبارها موطنًا للحرية والحب.
* الإيمان بالحرية واعتبارها مصدرًا للإبداع والحياة.
* التجديد في الموضوعات، والثورة على التقليدية.
* الصدق في التعبير، فالشعر هو تجربة شعورية وتعبير عن الذات.
نهض الشعراء المهاجرون العرب بالشعر وأكسبوه التطور والتجديد والحداثة، مع المزاوجة بين اللغات -أواسط الأوروبية، مما أكسب الشعر بصمة جديدة تهتم بالنفس والإنسانية. وقد ظهر أدب المهجر من خلال الأدباء العرب المهاجرين إلى أمريكا الشمالية والجنوبية من عام 1870- أواسط 1900.. حيث كونوا جاليات عربية وروابط عربية.
تميز الشعر المهجري ببعض الخصائص والموضوعات منها:
* من ناحية الموضوع: كانت الموضوعات متنوعة، وأضافوا مقاييس جديدة في النقد، كما ألهموا الآخرين الابتعاد عن التضييق والحصر. مع ملاحظة التفاوت ما بين الشعراء في الأقطار المختلفة، حيث كانت المواضيع متعلقة بالحياة وظواهرها تعلقًا شديدًا، واشتمالها على العديد من الموضوعات المتداخلة بينهما. لكن في نفس الوقت كان متين اللغة، والجرأة في الاستعارات، والتصرف الحسن في استخدام الأدوات البيانية من استعارة وتشبيه ومجاز. يعرفون قدر اللغة فيتمسكون بها ويستخدمونها استخدامًا محكمًا، ويمتلكون القدرة على التلاعب بالمفردات.
* التحرر في الروح: وقد كان واضحًا أكثر في الولايات المتحدة الأمريكية. فالحرية شاملة بالمعاني الوافية، فيمكن لأي إنسان أن يعبر عما يدور في خاطره دون تحفظ. كما امتلك الشعراء الحرية في التركيب والقدرة على استعمال الألفاظ وتحويرها لمعانٍ جديدة.
أما موضوعات شعرهم فتجلت فيما يلي:
1. الحرية: حيث آمنوا فيها، واعتبروها رمزًا من رموز الحياة؛ فالإنسان خلق حرًا وسيبقى حرًا. وقد أكدوا على ذلك من خلال هجرتهم أنفسهم إلى العالم الجديد.
2. الحنين إلى الوطن: فمهما عانى الإنسان من شظف العيش في وطنه سواء كانت المعاناة مادية أو معنوية، سيبقى تفكيره في وطنه وذكريات طفولته، فيشعر بالحنين وينظم القصائد التي تعبر عن تلك المشاعر، والرغبة بالعودة إليه بصدق وبساطة التعبير لترجمة تلك المشاعر والأحاسيس التي فاضت.
3. وصف الطبيعة: فهي تمثل التأمل والإبداع والجمال، أو ما يطلق عليه بمصطلح"الغاب". فالطبيعة المقدسة يتم محاكاتها بالمنهج التجديدي الذي يستقي الأفكار منها.
4. التساؤل والتأمل: فكان شاغل وقتهم القلق والاضطراب، وتراودهم الأسئلة الكثيرة للكون ومحتواه، وثنائيات الوجود كالليل والنهار، والخير والشر، والسرور والحزن. فيقومون بتأملها، والتفكر في أسباب اختلافها.
5. البكاء والألم: يظهر في شعرهم حالة الحزن والألم والاضطراب. فهم الغرباء عن أوطانهم، المبتعدون عن أهلهم. لتكون الدموع والألم رفيقة دروبهم، ولينظموا قصائد كلها ألم وتعاسة وحزن.
6. القصة: تعد القصة من أهم الفنون في شعرهم، والتي تتناول كل أحداث الحياة، وصوروا فيها حيرتهم، وتساؤلاتهم، وألمهم، وأملهم، وحزنهم وفرحهم. فكانت قصائد أبو شادي، وإيليا أبي ماضي، وفوزي وشفيق المعلوف.
[2] المصادر: