في أحد ليالي مدينة سان ريمي دو بروفنس التي ترأستها السماء الصافية، كان فان جوخ واقفاً امام نافذة غرفته في المشفى وبيده غليونه حيث كان دخان التبغ المحترق يتراقص متجهاً نحو السماء، كان رافعاً رأسه متأملاً للنجوم وسكون بريقها، ويردد قائلاً "التبغ يحترق والعمر ينزلق، أريد أن أسافر للنجوم، وجسدي هذا البائس يمنعني."
يراوده الحنين إلى قريته التي تربى فيها تارة، و تزعجه رتابة السماء وسكون الألوان و الحركة تارة آخرى، تراجع بعض الخطوات وتوجه نحو مكتبه أمسك ريشة الحبر وبدأ بكتابة رسالته لأخيه ثيو يخبره من خلالها ما يدور بخاطره و يتسأل قائلاً "بالنسبة إليّ، لا يمكنني التيقّن من أيّ شيء. غير أن منظر النجوم في السماء يجعلني أحلم."
ويكمل رسالته التي حاول فيها إجابة علامات الاستفهام المحيطة بأفكاره ويكتب:
" إلى أين تمضى الحياة بي؟ ما الذى يصنعه العقل بنا؟ إنه يفقد الأشياء بهجتها ويقودنا نحو الكآبة، إننى أتعفن مللاً لولا ريشتى وألوانى هذه، أعيد بها خلق الأشياء من جديد، كل الأشياء تغدو باردة وباهتة بعدما يطؤها الزمن، ماذا أصنع؟ أريد أن أبتكر خطوطًا وألوانا جديدة، غير تلك التى يتعثر بصرنا بها كل يوم.
كل الألوان القديمة لها بريق حزين في قلبي، هل هى كذلك فى الطبيعة أم أن عيناي مريضتان؟ ها أنا أعيد رسمها كما أقدح النار الكامنة فيها. "
أفلت رسالته لتغرق بين أوراقه و نقاط الحبر المبعثرة التائهة بدون عنوان، واندفع مسرعاً نحو لوحته البيضاء، أمسك بفرشاته و بدأ برسم سماء عالمه الخاص التي تبعد عن الواقع بأميال، و تكسر قيوده لتنتقل إلى مرحلة اخرى من الخيال، حاول من خلالها أن يعكس تصوراته و يبحث عن إجابات علامات الاستفهام المحيطة بأفكاره.
لوحة ليلة النجوم “starry night”
هي لوحة رسمها الفنان الهولندي “فان جوخ” في عام 1889 م، رسمها في النهار من ذاكرته عن ليل في مدينة "سان ريمي دو بروفنس" في المشفى من نافذة غرفته.
برأيي يمكننا تقسيم هذه اللوحة الاسطورية الى ثلاث أجزاء ( السماء - القرية - الشجرة) لنستطيع فك شيفرات الغازها.
بالنسبة للسماء كانت مكونة من هلال و11 نجم، يكمن السبب وراء هذا العدد هو ان فان جوخ كان متأثراً بقصة النبي يوسف، أيضاً كان فان جوخ متأثراً بعلم الفيزياء و علم الفلك بشكل كبير.
الفيزياء كانت واضحة في حركة النجوم والدوامات حولها التي تمثل ظاهرة ال (Turbulence)
الإضرابات التي تصيب المياه عند سقوط جسم صلب فيها مما يجعلها تخلق دوامات بحسب تردد الجسم.
اما بالنسبة للفلك، الدوامة اللي في منتصف اللوحة تدعى (Spiral Nebula) ويوحد بقربها دائرة شديدة الإضاءة محاطة بلون الأبيض الذي تمثل كوكب الزهرة الذي يقال بأنه كان فعلاً لامعاً وظاهراً في ذلك الوقت.
أما القرية فإنها تمثل قريته في هولندا، فقد كانت من وحي خياله ورسمها بسبب شعور الحنين الذي كان يراوده، اما بالنسبة للشجرة السرو فإنه رسمها لتمثل الموت، او الجسر الذي سوف يعبر من خلاله بعيداً عن المعاناة و آلامه في الأرض إلى السماء الذي يعتبرها الراحة الأبدية، لذلك يلاحظ المشاهد بداية رسمها من اسفل اللوحة حتى نهايتها لتمثل الطريق او الجسر نحو السماء.
اكمل فان كوخ لوحته، رفع رأسه ونظر نحو نافذته فوجد الشروق يبزغ من خط السماء و تتلاشى معه اضواء النجوم حمل غليونه و توجه مرة اخرى نحو مكتبه التقط فرشاة الحبر و اخرج رسالته الغارقة و كتب في اسفل الورقة "بالنسبة إليّ، لا يمكنني التيقّن من أيّ شيء. غير أن منظر النجوم في السماء يجعلني أحلم." إنتهت زجاجة الحبر ومنعته من إكمال تفاصيل حلمه ليلتفت نحو لوحته، ويبتسم لرؤيته حلمه يتجسد أمامه بدون أن يكتب حرفاً.
من وجهة نظري هذ اللوحة أسطورية و تحمل بكل منحنياتها عالم موازي للواقع بطريقة معاكسة لقوانينه، و قيوده كأنها نافذة تطل على روح الفنان توصف سماءه الداخلية دون ان يتفوه بأي كلمة.