على مر العصور كانت الفنون و مازالت بوابة الى عالم الخيال والمنفذ الوحيد من الواقع، لذلك حازت على إهتمام البشر منذ بدء الخليقة إلى وقتنا الحالي، بحيث تفننت الشعوب بإبراز الفنون و تطبيقها في شتى المجالات الحياتية و لعلنا نرى آثارها الأسطورية في وقتنا الحاضر.
ولعل ابرز الحضارات الأسطورية تتمثل في حضارة الأنكا، واذا قمت بزيارة بيرو يجب أن تكون كوسكو مدينة الشمس وجهتك الأولى، ومن يود التعرف إلى حضارة الأنكا لا بد له من زيارة وادي الانكا المقدس مهد تلك الامبراطورية التي ما زالت تحتضن الكثير من أسرارها، لا سيما زيارة كوريكانتشا
(El Coricancha) (المعبد الذهبي) أو ما كان يسمى بالأصل إنتي كانتشا
(Inti Kancha)
(معبد الشمس Templo del sol)
،يجب ان تكون هذه الزيارة حتمية من ضمن الجولة السياحية في مدينة كوسكو، ذلك المعبد الذي كان شاهدًا على إبداع حضارة الانكا الفنية في صياغة وتشكيل الذهب والفنون المعمارية.
تعتبر حضارة الانكا من اوائل الحضارات التي اهتمت بالفنون بشكل جوهري بحيث ان أهل حضارة الإنكا عرفوا الآلات الموسيقية المزمارية (الهوائية) فقد استخدموا المزامير في أصناف مختلفة مثل: مزمار جهاز القدم (بانبيبين), والأبواق المصنوعة من الأصداف البحرية وغيرها، كانو يمنحون اهتماماً كبيراً للموسيقى بحيث كانت تتم الأعمال الزراعية بشكل عام على أنغام الموسيقى والغناء لإعطاء الإيقاع. كان يتم إجراء مسابقات وتمارين الرقص من قبل جماهير كبيرة وكانت ذات طابع ديني. كان هناك رقصات طوطم وثني والتي تهدف إلى عبادة الطواطم وأسلافهم والرقصات المهيبة والجليلة مثل تلك الموجودة في الاحتفالات الدينية الكبرى مثل (ال انتير ايمي) ورقصات مخصصة للأموات. ورقصات ذكرى الاحداث التاريخية، ورقصات الحرب والفرح.
اما بالنسبة الى الفنون المعمارية فقد بنى اهل حضارة الانكا المعابد و أبنية أسطورية تجلت فيها الفنون بأنواعها، وتفاصيلها المعمارية الفريدة، ولعل اشهرها معبد الشمس الذي كان مخصصًا لعبادة الشمس (Inti) أهم آلهتهم، فهم كانوا يقدسون العديد من عناصر الطبيعة كالشمس والقمر والجبال إلا أن الشمس كانت الآلهة العليا ويعتبرون أنفسهم أبنائها، وكانوا يعتقدون أن الذهب عرق الشمس والفضة دموع القمر.
عُرف الأنكا أيضاً بهندسة مقاييس دقيقة تجلت في وجود نحاتين قلما عرفت الحضارات القديمة مثلهم لأنهم ببساطة لم يُتح لهم الأخذ من أي من الحضارات في منطقتهم مما أوجد الأساطير والخرافات عن كيفية نقل، ونحت الصخور بتلك الدقة وكأنهم استعانوا بسكان كواكب أخرى، ليس هذا فحسب، وإنما جعلوا في المدينة القصور الفخمة، والأبراج العسكرية، وأبراج المراقبة، والحدائق، كما أنشأوا برك للاستحمام، وقنوات الري، وغيرها من الأمور التي أذهلت العالم أجمع وغيّرت آراءهم حول هذا الشعب العظيم الذي عُدّ لسنوات طويلة شعب بدائي، متأخر فكرياً وحضارياً، فظهرت هذه الآثار لتبّرئهم من كل تلك الاتهامات الموجهة نحوهم.
برأيي ان شعب حضارة الانكا بمثابة الرومان في العالم الجديد، مهندسون وبناؤون لا يضاهيهم أحد، قاموا ببناء أكثر معالمهم شهرة اليوم ماتشو بيتشو، وأكثر أنظمة الطرق تقدمًا في الأميركتين، وغيرها الكثير من الآثار التي اكتشفت او اندثرت مع الزمن، لذلك تعتبر حضارة الأنكا من اكثر الحضارات القديمة التي استطاعت ترك بصمة واضحة في العالم الى يومنا هذا.