لوحة "Vision after the Sermon"
أو كما تعرف باللغة العربية "الرؤية بعد الخطبة"
هي اللوحة التي تحمل تفاصيل ابداعية تأسرك للوهلة الاولى عند رؤيتها، ولكنك عندما تمعن النظر بها تلاحظ مدى قدرة الفنان على الابتكار و دمج الثقافة التي استوحى اللوحة من خلالها و تصوير الخطوط والألوان التي تأخذ المشاهد نحو عالمها المحبوس بين إطارها السرمدي.
تنتمي هذه اللوحة الى تفاصيل عالم الفنان الفرنسي المبدع "بول غوغان"، حيث انه استطاع من خلالها الانتقال من حلقة الانطباعية التي ترسم تفاصيل عالمه لسنوات، الى منحنى الابتكار الذي استطاع من خلاله تجريد اللون الذي وقع ضحية امتصاص هالة مشعة للضوء، و دمج فن الرسم الياباني ومختلف الفنون البدائية و ابتكار تقنية جديدة يطلق عليها اسم القواطعية "Synthetism" .
تلك الحركة تتميز بالمساحات اللونية المسطحة التي تحدد بخطوط واضحة للمتلقي، حيث يمتلئ فضائها بالعناصر والأشكال، التي تعمل على إظهار ملامح اللوحة جنبا الى جنب مع الألوان والخطوط التي بدورها تبرز رؤية جديدة أجزاء متقطعة من الطبيعة،حيث انها تختلف عن الانطباعية بأنها تأخذ إلهامها من الطبيعة والواقع المحيط بها لكنها لا تجسده بطريقة واقعية، وإنما تحوله الى صورة التقطت في عالم خيال الفنان لا تعبر عن المنظور والظلال التي تجسد الواقع.
إن لوحة بعد الخطبة (Jacob Wrestling with the Angel) هي من أبرز اللوحات التي تنتمي إلى الحركة القواطعية التي ابتكرها بول غوغان، حيث أنها تصور مشهدا من الكتاب المقدس الذي يحتوي على حكاية مصارعة يعقوب للملاك، حيث انه يعبر عن هذه الحكاية بشكل غير مباشر من خلال انعكاس صورة النساء التي تراه بعد الخطبة في الكنيسة، رسم بول غوغان هذه اللوحة بعد ابتعاده عن أسلوبه الأصلي الذي كانت الانطباعية تهيمن على تفاصيله، حيث ان هذا الاسلوب حينها لم يعد يرضي حماسة أفكاره واهتماماته بالأشكال القديمة والبدائية، لذلك انطلق في رحلته للبحث والابتكار و التجول في زوايا العالم للوصول الى شغفه الضائع بين طيات الواقع.
وخلال رحلته، وعندما كان في زيارة الى مستعمرة الفنان بونت افين، التقى بالفنان إميل برنار، الذي كانت لوحاته مستلهمة بصورة كبيرة من المطبوعات اليابانية، تركت تلك اللوحات بصمة في قلب غوغان ومن خلالها استطاع استنباط الإلهام الذي ساعده في رسم لوحته الرؤية بعد الخطبة، التي جمعت بين اهتمامه في الموضوعات الفنية و افكاره التي ترجمتها انامله بكل شغف، حيث ان هذه اللوحة جسدت اسلوبه الجديد الذي استخدم خلاله الألوان و الأشكال و الخطوط بصورة جريئة تعكس تعامله مع الطلاء، وحيث انه طبق اللون على مساحة كبيرة بعيدا عن التمثيل التقليدي للواقع.
من وجهة نظري، وعندما نظرت الى هذه اللوحة لفت انتباهي مبالغة الفنان في تشكيل الأشكال والملامح باستخدام خطوط تحدد العناصر بصورة قوية فاقدة للتناغم، حيث ان الملابس السوداء و الحقل الأحمر وغيرها من عناصر اللوحة لا تحمل في تفاصيلها الظلال اللونية مما يجعلها تبتعد عن الواقع.
برأيي من هنا استطاع غوغان إبراز أسلوبه الجديد و ابتعاده عن مذاهب الطبيعة نحو التجريد و الرمزية بصورة مستوحاة من المطبوعات اليابانية لكنها تتميز بموضوع تكوين خاص به جعل من لوحته فريدة.
تلك اللوحة تركت بداخلي شعور غريب حيث اصرار غوغان على اللحاق بشغفه و تحرير نفسه من قيود الواقع جعل مني اكثر اصرار و تمردا على القواعد الروتينية التي تحكم الفنون، تلك اللوحة تعتبر برأيي من أفضل اللوحات المبتكرة التي استطاعت أن تكون مثالا على الابداع والتطور.
173 مشاهدة
