قد أختلف معك صديقي في هذا الأمر، فأنا لا أعتقد أن جميع الناس أنانيون، إلا أن طبيعة الإنسان البشرية تجعله في حالات معينة، يفضل الفردية والانفصال، كما يحصل في حالات الحروب والمجاعات والكوارث، وهي ليست أنانية، إنما هي غريزة البقاء، وهي التي يمكن تعميمها على البشر، لا الأنانية.
لذا أود أن أوضح أن هناك فرقاً بين حب النفس وبين الأنانية، وحب النفس ليس أمرا سيئا، بل على العكس، هو أمر إيجابي جدا، على عكس الأنانية، والتي هي خلق سيئ جدا.
حب النفس يعني بشكل عام تقدير الذات، فالأفراد الذين يعانون الاكتئاب، هم في حقيقة الأمر من لا يشعرون بحب الذات ولا يقدرون أنفسهم، وعندما تزيد درجة حب الذات عند الشخص، تتحول إلى النرجسية، ومن أجل ذلك فإن الأنانية هي المرحلة الفاصلة أو هي المرحلة الانتقالية ما بين أن يقوم الشخص بحب نفسه وبين أن يكون صاحب شخصية نرجسية، وتكون النرجسية إحدى صفات الشخص الأناني.
و في عبارة أخرى، هناك فرق كبير بين اضطراب الشخصية وبين السمات الشخصية، كما أن هناك فرقاً بين حب النفس وبين الأنانية، والفرق بين حب النفس والأنانية، هو ما يمثل الفرق بين الشخصية واضطراب الشخصية، فأن أحب نفسي يعني أن أقدر ذاتي وأعمل على تحسينها، وأهتم بها، ,أنميها، وأحسن من قدراتها، وأحسن وظائفها، وكل رؤية في حياتي تأتي من الآخرين، وبالمقابل هي رسالة في حياتي أبثها لمن أتعامل معهم. بينما الأناني لا يقوم بأي من هذه الأمور.
الأناني هو شخص، لا يحب نفسه، إنما هو يتمركز حول نفسه فقط، وحياته كلها سواء كانت في البيت أو في العمل أو في الدراسة أو بين أصدقائه تتمركز حول الأنا الخاصة به. من صفاته أن يلوم الآخرين كثيرا على عدم تقديره. أعرف أنانيا على المستوى الشخصي، وقد سمعته وهو يقول لأصدقائه أمورا مثل: "خرجتم سوية ولم تخبروني" ويقول لصديقته: "خرجت دون أن تخبريني بأنك ستخرجين، وكان من المفترض أن أكون هناك قبلك" ومن ثم يستفسر منها: "عندما كنت مع أصدقائنا، هل حدثتيهم عني؟"، "كم مرة ورد ذكري في المناسبة كذا؟"، "هل جعلتي صديقاتك يرون الهدية التي أحضرتها لك؟" محور كلامه دائما يبدأ بـ"أنا" وينتهي بـ"أنا"، ويرى أن كل من حوله يجب أن يروا أنه هو أفضل واحد فيهم.
والآن قد تسأل، كيف يصبح الشخص العادي أنانيا؟ أو كيف يتولد عنده هذا الشعور أصلا؟
الشخص الأناني هو شخص استحواذي، يريد كل شيء لنفسه، لا يرى إلا نفسه، ويرى أنه هو الشخص الوحيد ذو الرأي الصحيح والصائب، وهو الوحيد القادر على الإنجاز، وأنه الوحيد القادر على التواصل مع الآخرين وفهمهم، وهو الوحيد الذي يفهم كل شيء، ويعرف وعلى دراية بجميع الأمور، كل ما سبق هو أشكال للأنانية. وما يولد هذه الشخصية الأنانية هو خلل في مكونات الشخصية، ويحصل هذا الخلل في مراحل التربية الأولى في أغلب الوقت، فيقوم الأهل لا شعوريا بتدريب أبنائهم على أن يكونوا أنانيين.
في العموم، يجب المساواة بين الأبناء، إلا أن أخطر الأمور وأكثرها تسبيبا لخلق الشخصية الأنانية، هي المساواة ما بين الأبناء في المواقف، وهو أمر ظالم يقوم به الآباء والأمهات، فالمساواة بين المحسن والمسيء، تجعل المحسن يقلل من إحسانه، والمسيء يزداد إساءة، والطبيعي هو الاختلاف بين الأبناء، وفي التربية ليس هناك أمرا مطلقا، فالتربية مواقف، وفي كل موقف نقوم بتربية أبنائنا بحسب الظرف الحالي، لذلك علينا كأهل محاولة علاج الأمر من الطفولة، والانتباه إلى كيف نوجههم خلال تربيتهم.