لماذا يؤدي الغلو في الدين إلى الكفر وهل يكون الكفر دائماً نتيجة حتمية للغلو

1 إجابات
profile/د-محمد-ابراهيم-ابو-مسامح
د. محمد ابراهيم ابو مسامح
ماجستير في التربية والدراسات الاسلامية
.
١٦ مايو ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
الغلو يؤدي بصاحبه إما إلى الكفر والخروج من الملة: وهو ما بلغ بصاحبه إلى تسوية غير الله بالله، فيما هو من خصائص الله، كمن ينسب إلى بعض الخلق أنه يعلم الغيب، أو أنه على كل شيء قدير، أو أنه يتصرف في الكون بحياة أو موت، أو نفع أو ضر، وهذا استقلال بقدرته هو ومشيئته. وهذا يوجد عند كثير من الغلاة من الروافض والصوفية وأشباههم، ومن صوره أيضًا صرف العبادة لغير الله عز وجل كدعاء الأولياء والاستغاثة بهم، والذبح لهم، والنذر لهم، والطواف بقبورهم تقربًا إليهم؛ لأنها عبادات، والعبادة لا يجوز صرفها لغير الله، ومن صرفها لغير الله فقد أشرك.

- ففي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إنَّ مِنْ ضِئْضِىءِ هَذَا قَوْما يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإسْلاَم، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ" متفق عليه.

-ومن الغلو ما يؤدي إلى الشرك ولكنه لا يخرج من الملة: مثل رفع قبور الأولياء، وبناء القباب والمساجد عليها، أو دفن الأولياء في المساجد، وشد الرحال إليهم، والتوسل إلى الله – عز وجل – بجاههم، والحلف بهم، مع الاعتقاد أن الحلف بهم دون الحلف بالله، إما إن قام بقلب صاحبه – يعني الحالف – أن الحلف بغير الله كالحلف بالله أو أعظم فهذا شرك أكبر.

- وليس شرطاً أن يكون الكفر دائماً سببه الغلو، فقد يولد الكافر في بيئة كافرة ويبقى كافراً بدون غلو.

وعليه: فالغلو محرم: هو الزيادة وتجاوز الحد، والغلو في الدين هو: هو مجاوزة الحق فيه والخروج به من حد الاعتدال في الإفراط والتفريط والابتداع والتشدد في الدين.

- وقد ورد النهي عن الغلو في الكتاب والسنة:

- قال الله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) سورة النساء: 171
 
- وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) أخرجه النسائي وابن ماجه.

- وعنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ. قَالَهَا ثَلَاثًا) رواه مسلم

والمقصود بالمتنطعين: هم المغالون في العبادة والمتجاوزين الحد فيها إلى البدع وغيره.

-أما من مظاهر الغلو ما يلي:

1- قصة الثلاثة نفر الذين جاءوا يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الصحيح: أنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما أُخبِروا كأنهم تقالُّوها [أي: عدُّوها قليلة]، فقالوا: أين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا [أي: دائما دون انقطاع]، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر [أي: أواصل الصيام يومًا بعد يوم]، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا.
فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني". متفق عليه.

2- حديث أبي إسرائيل الذي نذر أن يصوم، وأن يقوم قائما ولا يجلس، ولا يستظل، ولا يتكلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروه فليجلس، وليستظل، وليتكلم، وليتم صومه) رواه البخاري.

3- مواصلة الصوم في نهار رمضان مع المرض الشديد فيشدد على نفسه فيبقى صائماً، فهذا أيضاً نقول إنه ينطبق عليه الحديث: (هلك المتنطعون).

4-ومن مظاهر الغلو ما يفعله بعض المتشددين في الوضوء، حيث تجده مثلاً يتوضأ ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر، وهو في عافية من ذلك. أيضاً في الاغتسال من الجنابة، تجده يتعب تعباً عظيماً عند الاغتسال، في إدخال الماء في أذنيه، وفي إدخال الماء في منخريه. وهذا ينطبق عليه قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (هلك المتنطعون)

5- ومن مظاهر الغلو كذلك كثرة الخوض فيما لا يعني، والسؤال عما لا ينبغي، وتكلف البحث فيما لا يغني. وكثرة السؤال فيما ليس له علاقة لا بالواجبات ولا بالمحرمات، وهذا ما يسمى بالترف الفقهي.

- وعليه: فالتشريع قائم على التيسير، وجاء ليحقق مصالح الناس وليخفف عنهم، ويرفع الحرج والمشقة عنهم، ففي الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين أحدهما أيسر من الآخر إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه) متفق عليه.

- فيجب على المسلم أن يعتدل في أمور الدين ولا يشق على نفسه ولا على غيره فيكون سببا في تنفير الناس من الدين، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) متفق عليه.