لأنّ أشهر من عُرف بكتابته وأكثرَ منه هم شعراء بني عذرة في الحجاز. وأُطلق على الشّعر الذي كانوا ينظمونه في الغزل والنّسيب شعرًا عذريًّا نسبةً إليهم. هناك عدّة نظريّات تفسّر أسباب كون هذا الشعر الذي نظموه عفيفًا وبعيدًا عن الوصف المفصّل والصريح لجسد المرأة ومفاتنها، منها أنّ بني عذرة وشعراءَهم عاشوا في بيئاتٍ نائيةٍ في هوامش البلاد الإسلامية، بعيدين عن جوّ الترف والملذّات والبذخ، ممّا جعلهم يقاسون صعوبة العيش، وجعل وصولهم إلى ما يتمنّون ويشتهون أصعب وأعقد، فكان شعرهم معبّرًا عن هذه الحالة الوجدانيّة من الأسى والتشكّي، وانخفاض سقفِ الأحلامِ إلى مجرّد الرغبة بوصلِ المحبوب ولو بنظرة أو كلمة، أو بمجرّد مرورٍ بالدّيار التي يقطن فيها، ومن ثمّ كان هذا التعبير الرّقيق عن الشعور بمرارة الدّنيا وتفريقها بين المرء وأحلامه -التي كثيرًا ما تتمثّل بالمحبوبةِ والرغبة في الظّفر بقلبِها أو وصلِها، ولا تتعدّى ذلك إلى ما هو أبعد منه من الشّهوات والقرب الجسديّ أو الماديّ-.
831 مشاهدة
