لماذا الله يعذب العصاه وهو غني عن عبادتنا؟

1 إجابات
profile/دمحمد-الطويل-1
د.محمد الطويل
الفقه وأصوله
.
١٠ مايو ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
يعذبهم لأنهم يستحقون العذاب جزاء وفاقاً على كفرهم نعمة الله عليهم ورفضهم أمره واتباعهم أهواءهم ووسواس الشيطان لهم، مع أن الله هو الذي خلقهم ورزقهم وأقام عليهم الحجة وبين لهم السبيل، فإذا رفضوا اتباع أمر سيدهم ومولاهم وخالقهم فإن قاعدة العدل أن يعاقبهم على فعلهم.

كما أنه سبحانه وعد من أطاعه وامتثل أمره واستجاب لهدايته الثواب الجزيل والعطاء الكبير بجنة عرضها السماوات والأرض، مع أنه سبحانه لا ينتفع بطاعتهم وهو غني عن عبادتهم أصلاً، ولكنها رحمة الله وفضله وعدله

فإذا كان الله خلقنا نحن البشر وخصنا من دون سائر العالمين بأن حملنا أمانة التكليف التي عجزت وأشفقت منها السماوات والأرض والجبال، كما قال تعالى (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً)

وأعطانا ربنا العقل ومنحنا القدرة على الاختيار بينما سائر المخلوقات مسيرة في وظيفتها، فالله سبحانه لم يجعلنا ملائكة نطيعه فقط دون شهوات أو قدرة على المعصية، ولم يجعلنا بهائماً وحيوانات مسخرة لغيرنا لا نعقل ولا نخاطب، بل فضلنا بالعقل والفهم، وابتلانا بالتكليف والاختيار.

وهذا التكريم بالعقل والفهم وهذا الابتلاء بالتكليف والاختيار لا شك أنه عاقبته لا بد أن تختلف عن عاقبة المخلوق المسير!

فلما كانت الملائكة تطيع ربها بخلقها كذلك وهي لا تقدر على العصيان أصلاً لأن الله لم يركب فيها شهوات، لم تكن تستحق ثواباً على طاعتها بالجنة، بخلاف البشر الذين لما يطيعون ويمتثلون أمر ربهم فإنهم يجاهدون في ذلك شهواتهم وأهواءهم وشياطين الإنس والجن، فكانت الجائزة على ذلك هي الجنة، لذلك فإن الراجح أن المؤمن الصالح من البشر أعلى درجة من الملائكة.

ولما كانت الدواب ليس لها عقل وفهم تخاطب به فإنها لا تحاسب يوم القيامة على ما فعلت وأفسدت في الدنيا بل يقتص الله من بعضها البعض يوم القيامة ثم يأمرها فتكون تراباً، إذ لم يكن من العدل أن تعاقب وهي لا تعقل ما تفعل.

أما الإنسان فلما كان يعصي باختياره وإرادته - وإن كان لله إرادة في ذلك أيضاً لكن ليس هذا موضع تفصيل الفرق بين الإرادتين، فإن مقتضى العدل أنه كما أثاب المطيع على طاعته لأنه نجح في اختباره، فإن العاصي يجب أن يعاقب لأنه خسر وفشل.

وشرط هذه العقوبة أن تكون الحجة قامت على الواحد منا فعرف الحق من الباطل والصواب من الخطأ، لذلك لو فرض أن هناك عبداً لم تقم عليه الحجة ولم يعرف ما هو المطلوب منه تجاه ربه لعدم وجود من يعلمه، فإن الله لا يعاقبه حتى يختبره يوم القيامة.

وإلا لو كان العاصي لن يعاقب على معصيته وكفره والطائع لن يثاب على طاعته، فإن الحكمة من الخلق ومن الحياة الدنيا فسدت كليةً، ولكان هذا نوع من العبث الذي تنزه الله عنه!

وإذا سألت أليس الله غني عن خلقنا فلماذا خلقنا أصلاً، فهذا سال آخر وهو داخل في باب القدر وليس هذا موضع جوابه.

والله أعلم