-تتكون الرغبات داخلنا بإستمرار، فقط لكي تتبدل برغباتٍ اخرى. فبدون هذا العصف المستمر من تكون الرغبات لن يكون هنالك اي دافع او سبب للقيام بأي شيء، الحياة ستتوقف، كما توقف عند هؤلاك الذين فقدوا القدرة على الرغبة..
فالرغبة هي التي تحركنا، و تعطي لحياتنا إتجاهاً محدد و معنى، ليس معنى على المستوى الكوني بل على المستوى السردي الذاتي، فإذ كنت تقرأ هذا النص و إذ كنت تملك تساؤلات حول الرغبة و ماهيتها و دوافع تكوينها، فلسببٍ ما تكونت لديك الرغبة في براءة هذا النص..
فإذ كانت الرغبة هي الحياة، لماذا احياناً نرغب بالسيطرة و التحكم في رغباتنا؟ لسبب بسيط، إلا و هو اننا نريد السيطرة على الحياة، أو على الأقل حياتنا نحن..
ربما الهندوسية وصفت الرغبة بأنها "قوة الحياة" و لكن وصفتها أيضاً بالرمز العظيم للخطيئة، و المدمر للمعرفة و الإدراك الذاتي، ايضاً في البوذية ففي الحقيقة الثانية من الحقائق الأربعة النبيلة تنص على ان سبب كل المعاناة الموجودة هو الشهوة.. في العهد القديم و القرآن الكريم هنالك قصة ادم و حواء، الذين رغبوا بالأكل من الشجرة الممنوعة، فلو لم يأكلوا من تلك الشجرة و سيطروا على رغباتهم، لما نزلوا من الجنة على الارض.. في المسيحية يوجد اربعة من الخطايا الكبيرة (الحسد، النهم، الطمع، الشهوة) هم مرتبطين بالرغبة بشكل مباشر، الطقوس المسيحية كالصلاة و الصيام و الإعتراف، جزء منها هدفه هو كبح الرغبة و جماحها..
فالأديان جميعها تتعامل مع مفهوم الرغبة بحذر لسببٍ ما، الا و هو هو ان كل المعاناة تتبلور اسبابها في الرغبة، الرغبات الغير مُحققة ايضاً مؤلمة. يُمكن فهم الخوف و القلق من خلال تأملنا للرغبات المستقبلية، الغضب و الحزن يمكن فهمها في تأملنا لرغباتنا في الماضي، ازمة منتصف العمر (mid-life crisis) لن يكن لها من المقدر الحدوث بدون وجود ازمة في الرغبات، فعندما يصل الشخص في منتصف عمره إلى إدراك ان حياته لم تُعش وفقاً لطموحه و رغباته (رغباته الناضجة و غير الناضجة حتى) هنا تكون صدمته، و هنا يحدث ما يسمى "ازمة منتصف العمر" ..
فمثلاً الشهرة بقدر ما هي غير مُريحة فهي ممُتعة ايضاً، و بفضل عوامل معينة من الممكن ان تتحول الشهرة لتصبح محطاً لخزي و عار لشخصٍ ما، هذا لا يعني ان نكون ضد الشهرة، و لكن علينا ان نمنع انفسنا من ان ننغمس في استثمار انفسنا فيها، فتسيطر رغبتنا في الشهرة علينا، لينتهي بنا المطاف ملتزقين بالوضاعة.. ما يزيد عن الرغبة يُطلق عليه الطمع، فالطمع تكثيف غزير لرغبة ما، و هو امر لا ُيشبع ابداً، و مشكلة الطمع بأنه يمنعنا من الإستمتاع في الحياة و يستهلك منا جميع طاقتنا و اهتمامنا، يدور حياتنا من التعقيد و الإمتلاء إلى مزيد من النهم و الجوع الذي لا ينتهي..
-من الممكن ان التأمل المتعمد لن يوقف رغباتنا من الحدوث، و لكن سيمنحنا البصيرة للتعرف على طبيعة رغباتنا و اسباب تشكلها، بالتالي سيساعدنا للإفتكاك من رغباتنا الغير مفيدة، هنالك مقولة تقول "الحرية هي ليست فعل إتخاذ القرار، بل فعل التصور"..