في العصور الماضية كان الإنسان الذي يخالف المجتمع الذي يعيش فيه أو لا يحصل على قبولهم يتعرض للتجاهل بشكل كامل من قبل مجتمعه ويرفضون التعامل معه، وفي حالات أقسى ينفى من المنطقة التي يعيش فيها إلى مناطق خطيرة قد يلقى حتفه فيها.
اهتمامنا برأي الآخرين عنا ناتج من خوفنا من التعرض للرفض الذي كان يومًا يؤدي بك إلى الموت، لكننا الآن في القرن الواحد والعشرين؛ حيث يمكنك العيش مرتاحًا دون الحاجة للخروج لعتبة منزلك حتى. يجب أن تحفر حقيقة أن "لا أحد في هذا الكون بإمكانه رفضي سوى نفسي" في عقلك؛ فالفهم العميق لهذه الحقيقة سيخلصك من تشبتك بقبول الآخرين لك، وبالتالي ستتخلص من اهتمامك برأيهم.
لكن التحدث أسهل من التطبيق، وفهم الفكرة يختلف تمامًا عن الخطوات التي ستتبعها لتطبيقها بشكل عملي، ووجدت شخصيًا النقاط الآتية أثرت إلى حد كبير بتركي للاهتمام برأي الآخرين مع مرور السنين:
1) حدد قيمك الذاتية: حدد القيم التي تعيش بها حياتك أو تود أن تكون الأساس الذي تمضيها بها؛ فمعرفتك لقيمك الذاتية (مثل: الصدق والشجاعة والتعاطف وراحة البال…) سيجعلك تأخذ قراراتك بثقة أكبر ويكون مصدرها هو أنت فقط دون الاهتمام برأي الآخرين عنها.
فالشخص الذي جعل من راحة البال قيمة أساسية في حياته لن يمانع قول "لا" للأمور التي يطالب بها الآخرون عندما يكون مشغولًا أو متعبًا أو وبكل بساطة لا يريد القيام بها؛ فهو بذلك حقق القيمة التي صدرت من ذاته ولن يهتم لتصنيف الآخرين له والرأي الذي يمتلكونه عنه بكونه شخص لئيم أو أناني.
2) تعرف على ذاتك: فالشخص الذي يعرف ذاته سيمتلك بشكل طبيعي قدر عالٍ من تقدير الذات؛ وهذا النوع من الأشخاص لن يهتم لرفض الآخرين له وتقليلهم من قيمته. تعرف على ذاتك، ما أمور التي تحبها؟، ما الأمور التي تكرهها؟، ما نوع العلاقات التي تودها في حياتك؟، ما هي الأمور التي تشعرك بالشغف؟.
امتلاكك للإجابات الواضحة التي تنبع من ذاتك لن يجعل آراء الآخرين تفقد قيمتها فقط؛ بل وستجعل عملية أخذ القرارات في الحياة أسهل وأنجح. في كل مرة تجد نفسك في موقف لا تستطيع فيه أخذ القرارات خوفًا من رأي الآخرين بك اسأل نفسك "ما الأمر الذي سأود القيام به لو لم أكن خائفًا من إطلاق الآخرين الأحكام علي؟ ".
3) تقبل الأخطاء وضع حب المثالية جانبًا: فعندما تفهم أننا جميعًا بشر خطاؤون وحتى الأشخاص الذين يلقون الآراء والأحكام الحارقة عليك هم أيضًا بشر وقد قاموا بالعديد من الأخطاء، في حينها سيفقد رأيهم كل الأهمية التي كنت تلقيها له سابقًا. فمن منا مطالب بتقبل آراء عقيمة لا تفيد بشيء من أفراد يشابهوننا بإنسانيتنا أكثر بآلاف المرات من تشابههم بالملائكة في عصمهم عن الخطأ.
حب المثالية غالبًا ينكون نتيجة رغبتنا بالحفاظ على الصورة الأجمل أمام الآخرين؛ فنحن لا نريد أن يرونا الآخرون كالأفراد أقل قيمة أو مهارة، فندفع نفسنا على القيام بما نكلف به مع التأكد من خلو الأخطاء فيها. لا يمكن التخلص من اهتمامك برأي الآخرين وأنت تعمل كل يوم على إرضائهم وتجنب انتقادهم لك؛ اسمح لنفسك بالوقوع بالأخطاء والقيام بالأمور حتى ولو كانت ممتلئة بالفجوات والمشكلات.
4) تعامل مع أفكارك: فقد نفترض أن مجموعة الأشخاص على جانبنا الأيمن الذين يتحدثون بصوت منخفض يسخرون منا، أو نحلل تعليقات وآراء الآخرين أكثر من اللازم فينتهي بنا الأمر بإيذاء أنفسنا. انتبه لأفكار ولا تسمح لها بالتجول في عقلك كما يحلو لها.
قم بطرح الأسئلة على نفسك وعلى الأفكار التي تفكر بها، هل حقًا ذلك الشخص قصد الأمر الذي قمت بتحليله؟، هل من الممكن أن أكون أنا الموضوع الأساسي لغرباء لا أعرفهم؟، هل حقًا رأي هذا الشخص عني مهم؟، هل اهتمامي بهذا الرأي سيساعدني على النمو؟. بعد الانتهاء من طرح الأسئلة على نفسك والتوصل إلى أجوبة مقنعة وصحية وصحية؛ قم فورًا بالقيام بنشاطات أو مهام تشغل عقلك عن العودة إلى التفكير بالأمر الذي قد انتهيت من التعامل معه بالفعل.
وفي النهاية لا تنسَ أنه من المستحيل أن يعجب الجميع بك، لن يحب الجميع طريقتك بالتحدث، ولن ينبهر كل شخص على هذا الكوكب من نمطك في ارتداء الملابس. بل وحتى في أغلب الأحيان الأشخاص من حولنا لا يهتمون بنا بالحد الذي نعتقده؛ فلكل منا حياته الخاصة ومشاكله التي يجب عليه التعامل معها، ولن يتعدى اهتمام الأشخاص الذين يطلقون عليك آراءهم هذا الأمر. فقم بالأمور التي تعتقد أنها صحيحة وترضيك، ولا تأخذ ما يتفوه به الآخرون بجدية كبيرة.
-المراجع: