قد تجد هذا السؤال في الامتحان، أو تقرؤه على موقع ما.
فتتوقف متأملًا: ما المقصود بمضمون النص؟ وكيف سأقوم بتحليله؟ وهل سأستند على بعض النظريات الأدبية أم أن هذا التحليل يتبع نظرية متفردةً بذاتها؟
هذه الأسئلة ظهرت في مخيلتي كومضات سريعة، وقد خُيّل لي أنني لربما سألخص محتوى النص، أو سأوضح الفكرة العامة منه.
توقف يا عقلي، فهذا تفكير البسطاء تجاه منهجية تحليل المحتوى أو المضمون. أيضًا اصمتي يا أفكاري فهذا لا يقتصر على ما قمت به وقت كنتِ معلمة، بل يشتمل على حيثيات أكبر من ذلك بكثير.
عندما نرغب بتحليل فكرة ما أو ظاهرة، فإننا نُعمل العقل ونستخدمه في دراسة الأحداث والظواهر المتعلقة بها.
للكشف عن العوامل التي تؤثر عليها، وسمات وميزات عناصر تلك الظاهرة وماهية العلاقات بينها وبين الظواهر الأخرى.
وعندما نحلل المضمون لنقوم بكتابته فإننا ندرس الأقوال والنصوص للأفراد.
هذه النصوص يسعى كاتبها لتحقيق أهداف الاتصال المرغوب مع الآخرين. قد تكون هذه النصوص أو الأقوال خطابًا ما أو أعمالًا مادية مؤسسية أو قانونًا وتشريعًا معينًا.
ومن هذا المنطلق، يتم تحليل مضمون النص من خلال مناهج عدة:
منها منهج تحليل المضمون والذي يُعنى بالدراسات العالمية والأدبية والسياسية والقانونية، بحيث يتم وصف النص بطريقة منظمة موضوعية، وتحليل محتوياته،
من خلال تطبيق وترتيب الموضوعات وفق تصنيف فئاتها، للتمكن من التعبير عنها بعدة صيغ أفضلها ما يكون بالتعبير الكمي.
كما يجب الوصول لاستنتاجات واستدلالات صادقة موضوعية وصحيحة تطابق ما تم تحليله في حالة إعادة العملية السابقة من قبل محايدين.
خصائص منهج تحليل المضمون:
1. يعتبر من أفضل المناهج التي يتم اعتمادها لتحليل النصوص والوثائق والقرارات والمواد القانونية والسياسية والعالمية.
2. يتحصل الباحث على المادة التي يريد تحليلها على اختلاف نوعها: (وثائق، جرائد، كتب، نصوص)، لتبقى معه، فيسهل تحليلها ومقارنتها.
3. يعتبر التحليل بهذه الطريقة أسهل بكثير من المنهج الوصفي، فلا عراقيل تذكر عند جمع البيانات، لأنها عبارة عن قيم ومعانٍ، مصطلحات مرفقة بالوثيقة، أفكار خاصة بها.
4. يقوم المنهج على تحليل ونقض الوثائق، ويمتد للخطابات السياسية والعالمية.
5. يقوم هذا المنهج على تحليل ودراسة الوثيقة والجهة التي أصدرتها وكتبتها.
6. يتم اتباع خطوات منظمة وواضحة ودقيقة لمعالجة النص أو الوثيقة المطلوبة تبعًا لأهداف وأغراض البحث.
مقومات منهج تحليل المحتوى:
يتم تحليل محتوى المضمون من خلال العمليات الآتية:
أ. التفسير:
أي شرح الموضوع الذي يتم دراسته، من خلال تفكيك الكل للأجزاء المكون منها، وتفكيك عناصر بنيانه، فيتم إيضاح المشكلة أو الإشكالية وكشف جوانبها.
ب. النقد:
أي إظهار مواضع الصواب والخطأ في الموضوع، مستندًا إلى المبادئ والقواعد العلمية المتبعة والثابتة، لتقويم وتصويب بعض مفاهيم الموضوع.
ج. الاستنباط:
أي الانطلاق من الحقائق الجزئية أو الواقعية المتفرقة للوصول إلى حقائق عامة، أو الاستدلال الذي ينتقل من الكل إلى الجزء أو من العام إلى الخاص.
المرتكزات الإجرائية التي يتم من خلالها تحليل المضمون:
1. يتم تحليل المضمون من خلال دراسة المحتوى الدلالي للخطابات المكتوبة أو الشفوية.
2. تجريد الألفاظ أو الملفوظات التي يتم دراستها مع بيان التيمات الموضوعاتية، وتصنيفها ضمن فئات مقولاتية جامعة.
3. التركيز على التكرار للكلمات أو المعاني أو الجمل أو الرموز المتضمنة للنص أو الرسائل الاتصالية.
4. كشف ورصد الجوانب الشكلية والموضوعية والوظيفية.
5. ربط تحليل المضمون بطريقة ما بالرسائل الإعلامية أو الاتصالية.
6. الجمع ما بين التحليلين الكيفي والكمي لدراسة الرسائل الاتصالية والإعلامية والخطابية.
7. التركيز على استقراء المحتوى ظاهريًا في البعد الاتصالي،
ثم تحليل بواطنه ومضامره لاكتشاف المعاني الثانوية، ورصد المقاصد بأنواعها سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة.
8. الربط ما بين مضمون الرسالة والأثار السياقية لها، وبالظروف العامة والخاصة.
أهداف منهج تحليل المضمون:
- الكشف عن القوانين المنظمة للعلاقات الداخلية للموضوع.
- التأكد من انتماء الفكرة أو المادة التي يتم تحليلها.
- التعرف على التركيبات الداخلية للمواد التي يتم تحليلها.
- التأكد من مطابقة الموضوع المدروس مع التراكيب المعروفة سابقًا.
- استنطاق الوثائق والنصوص بأنواعها المسموعة والمكتوبة والمصورة لمعرفة مضامينها،
وبيان دلالتها الظاهرة والباطنة، لاستثمارها في مجالات محددة.
- إبراز الميول والمواقف والآراء والسلوكيات، لتحليلها ومعالجتها وتأويلها بعد فهمها، للانطلاق منها أو التحكم بها.
- مقاربة النصوص والوثائق والخطابات بطريقة موضوعاتية، وتحديد التيمات الأساسية والفرعية، مع جرد المؤشرات والفئات، لقراءة المضامين والمحتويات بشكل علمي ممنهج.
- دراسة المحتويات والتيمات الدلالية والعجمية والمضامين اعتمادًا على التحليل الكمي والكيفي، لتحصيل نتائج علمية ثابتة وصادقة.
- فهم واستيعاب الإرساليات السياسية والإعلامية والتربوية والاجتماعية.
بقصد معالجتها وتحليلها وتأويلها وتقويمها، لمعرفة ماهية الموضوع، في زمان ومكان معينين.
- قراءة الخطابات والإرساليات والنصوص والمقالات في المجالات المختلفة الظاهرة والمضمرة،
لاستخلاصات دلالاتها المباشرة وغير المباشرة.
- لتحديد مقاصدها القريبة والبعيدة، وبيان المؤشرات والظروف السياقية الخاصة والعامة.
- تحليل المواد الاتصالية والإعلامية لتصنيفها ومعالجتها بطرق التحليل الكمية والكيفية،
وفهمها داخليًّا بغية تفسيرها خارجيًّا، وتأويلها سياقيًّا، لاستثمارها في مجالات محددة.
- معرفة الآثار التي تتركها الرسائل والنصوص والخطابات على القارئ أو المتلقي أو المستمع،
لوصفها مضمونًا وشكلًا، وبيان خصائصها وتغيراتها، ورصد ميزاتها الكيفية والكمية، وتحديد التيمات والفئات والمؤشرات.
- التعرف إلى أحوال المجتمع والسلوكيات والمواقف والميول والرغبات والاتجاهات من خلال المضامين.
- إبراز النفسيات الفردية، لفهمها، وتفسيرها، وتقويمها، واستثمارها، والعمل بها، بغية معالجتها، أو إصلاحها، أو تقويمها بالإيجاب أو السلب.
خطوات منهج تحليل المضمون:
يجب الالتزام ببعض الخطوات المنهجية النظرية المُلزمة بتحليل مضمون النص وهي:
1. تحديد مشكلة البحث أو الموضوع القائم عليه.
2. صياغة الفرضيات أو الفروض.
3. اختيار العينة والتي يجب أن تكون ممثلة بالشكل الصحيح لمجتمع البحث،
وتتضمن ثلاث مراحل:
* اختيار العينة من مصدرها: أي تحديد الأساس لاختيار هذا المصدر محل الدراسة.
* اختيار العينة الزمنية، أي المدة الزمنية التي يجب تغطيتها من قبل العينة.
* اختيار العينة من الفئات التحليلية ووحداتها المستهدفة.
ويجب مراعاة أمرين عند الاختيار وهما:
- الصدق: أي مدى ملاءمة أسلوب القياس المستخدم في القياس للموضوعات التي يود المحلل قياسها، ومناسبة هذا الأسلوب ومقدرته على توفير المعلومات المطلوبة.
- الثبات: أي يقيس مدى استقلالية المعلومات التي يتم جمعها عن أدوات القياس، أي التوصل للمعلومات ذاتها دون أدوات القياس.
وحدات تحليل المضمون:
هي وحدات المحتوى التي يتم إخضاعها للقياس والعد، والتي يوضح وجودها أو تكرارها أو غيابها على دلالات تفيد الباحث في تفسير النتائج الكمية،
وهذه الوحدات هي:
1. وحدة الكلمة:
وهي الوحدة الأصغر في وحدات المحتوى والتي تظهر ككلمة، أو شعار، أو رمز.
عند استخدام وحدة الكلمة بالتحليل على الباحث حساب التكرار للكلمة المعنية بالموضوع الذي يدرسه في النص الخاضع للتحليل.
فمثلًا إذا كان الباحث يهتم بموضوع الهوية الوطنية في المناهج الدراسية،
فعليه حساب كلمة الهوية الوطنية أو ما يمثلها من معانٍ في مضمون المناهج الدراسية في مباحث التربية الاجتماعية والدينية وغيرها من مباحث من صفوف ما قبل المدرسة وحتى الجامعة مثلًا.
2. وحدة الفكرة:
أي الفكرة التي يمثلها الموضوع ويدور حولها في موضع التحليل والتي تتمركز حول القيم، أو الأسلوب المتبع والقائم على الفكرة.
3. وحدة الشخصية:
أي معرفة الصفات والميزات للشخصية المركزية في الموضوع أو المضمون القانوني أو الإعلامي، بحيث يرتكز على تحليل الدراما سواء كانت مسموعة أو مرئية أو مقروءة كقصص.
ومن الأمثلة على ذلك: دراسة شخصية المهاجر العربي في المجتمعات الأوروبية.
4. وحدة المساحة والزمن:
أي المقاييس المادية التي على الباحث اتباعها ليتعرف المدة الزمنية التي تحتاجها وتستغرقها المادة في الوسائل الإعلامية، والمساحة المشغولة لهذه المادة في الصحف والكتب والخطابات المنشورة،
مثلًا الحجم المخصص لثورة الربيع العربي في الصحافة الأردنية.
5. الوحدة الطبيعية للمادة الإعلامية:
وتتنوع من حيث كونها كتابًا أو خطابًا أو برنامجًا إذاعيًّا أو تلفزيونيًّا، والذي من خلاله يتم تصنيفه التركيز على محتواه السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي.