عندما كنت صغيرة كنت أستغرب من بعض مسلسلات الكرتون وحتى المسلسلات العائلية التي تحضرها والدتي عندما أشاهد شخصاً يتحمل ضغوطات كثيرة تؤثر عليه، وكان هذا يجعلني أفكر في الأمر كثيراً... فكيف تستطيع سالي مثلاً أن تبتسم وتضحك مع أصدقائها وهي تعاني من الإهانات والتعذيب من الآنسة منشن وبعض زملائها في المدرسة الداخلية، وكذلك من حزنها على موت والديها. كنت أشعر بحزن يقطع قلبي في ذلك الوقت، وأستمر بطرح الأسئلة على أمي حول كيفية تحمل الأشخاص لكل هذه المصائب! وكانت أمي تشجعني وتقول لي أن في الحياة أمور سيئة كذلك كما فيها أمور جميلة، وتطلب مني أن أتخذ سالي قدوة لي عندما أتعرض للأوقات والمواقف الصعبة.
لا أخفيكم أنني كنت أهاب الموت بشكل هستيري بسبب صراخ بنات الجيران لوفاة والدهم عندما كنت في السابعة من عمري تقريباً، مما شكل لي صدمة كبيرة فأصبحت حساسة جداً لكل ما هو محزن وخصوصاً موضوع الموت وفراق الأحبة... ربما هذا هو سبب رفضي متابعة الكرتون والمسلسلات الحزينة، ومنهم مسلسل سالي الذي لم أستطع متابعته عندما كنت صغيرة، وأكملته عندما كبرت.
عندما أصبحت كاتبة في مجلة مختصة بالذكاء العاطفي بدأت أتخلص من كثير من الأمور السلبية في شخصيتي، وبدأت أتقبل الأخبار المحزنة أكثر، وما زاد هذا عندي تعرضي لمواقف محزنة كثيرة في السنوات الأخيرة منها وفاة جدتي التي كنت متعلقة كثيراً بها، ومرض ابن أختي، وخسارة العائلة لمبلغ كبير من المال في مشروع، وتجربة عاطفية فاشلة... كل هذا ساعدني على زيادة ذكائي العاطفي، ولا شك أن ما يبثه المخرجون لنا من رسائل قد تكون مخفية في البرامج والمسلسلات والأفلام وحتى ما نسمع من أغانٍ وما نقرأ من قصص وروايات وقصائد وخواطر تؤثر كذلك على ذكائنا العاطفي، لأن تأثرنا بالأحداث والشخصيات يزرع أفكاراً في عقولنا ويؤثر على عقلنا الباطن مما يتحكم بحاتنا ككل.
فكم من درس في الحياة تعلمته بعد قراءتك لرواية معينة، وكم من فكرة لديك تغيرت بسبب فيلم أثر في حياتك!
وكم من مرة سمعت شخصاً ينتقد شخصاً آخر دائم الحزن والكأبة ويقول له "شكلك بتحضر مسلسلات درامية كتير"!
أتعلم أن من الطرق الصحية لتفريغ مشاعرنا السلبية كالحزن مثلاً هي الاستماع لإغانٍ حزينة كأغاني هاني شاكر ومحمد محيي! فهذه النوعية من الأغاني تخرج حزنك عن طريق مواجهته واسترجاع الذكريات السلبية التي سببت لك هذا الحزن مما قد يستفز دموعك لترتاح بعدها. وطبعاً يساعد هذا الأمر كثيراً في تنمية ذكائك العاطفي وذلك باختبار المشاعر ومواجهتها والتعامل معها وتفريغها بشكل صحي. لكن عليك طبعاً عدم المبالغة في الاستماع للأغاني الحزينة لئلا يتعود عقلك الباطن على اجترار المواقف المحزنة.
كما أن قراءة رواية تحبها هي من الأساليب المعروفة للشعور بالراحة والاسترخاء وخاصة في أوقات الغضب وقبل وقت النوم لتنعم بنومٍ صحي ما يحسن من ردود أفعالك تجاه المواقف المختلفة ويقوي ذكاءك العاطفي.
ناهيك أن الأدب والأفلام والمسلسلات والأغاني وحتى مسلسلات الكرتون يوسعون مداركك في الحياة ويعلموك الدروس والعبر التي تضاف لحصيلتك في الحياة، فتختصر عليك تجارب عديدة وتطلعك على أنماط وشخصيات الناس المختلفة التي قد تواجه الكثير منها في حياتك الواقعية، مما يحسن علاقاتك الاجتماعية وهذا مهم في زيادة ذكائك العاطفي.
كما يركز بعضها على تقبل الآخر مثل سلسلة الكرتون "كلنا أبطال" الذي يعد الأول من نوعه في العالم العربي ويساعد الأطفال على تقبل الأشخاص ذوي الإعاقة ويعلمهم كيفية التعامل معهم.
كم طفل وحتى كم شخص بالغ تعرفه في حياتك يتخذ شخصية Spiderman قدوته في الحياة، فيتغلب على مخاوفه ويساعد من حوله متخيلاً أنه مثله! فاقتدؤنا بشخصيات إيجابية يحسن حياتنا نحو الأفضل، ويخرج قوتنا الكامنة ويعرفنا على أنفسنا ليزيد وعينا بذاتنا.
وكم درساً في الحياة تعلمته من المسلسل السوري "أهل الغرام" للمخرج الليث حجو.
من هنا أود توجيه رسالة لصانعي المحتوى الذي يعرض لنا من أدبيات وأفلام وغيرها بأن يعوا بتأثر ما يقدمونه على الناس، وأن ينتقوا رسائلهم وقصصهم بدقة.