أولا يجب أن تعلم أن للعبد نفسا واحدة - وهي ذاتها الروح - هذه النفس تنقسم باعتبار حالها من حيث طاعتها ومعصيتها أو قربها من ربها وبعدها عنه إلى :
1. النفس المطمئنة : وهي النفس التي قهرت أهواءها وشيطانها ، و وصلت مرحلة الاطمئنان إلى ربها وطاعته ، فهذه النفس تجد سكونها وراحتها وأنسها مع ربها ، وقليل ما يبلغ الشيطان مراده فيها بإيقاعها في المعاصي ، وهي أعلى درجات النفس.
2. النفس اللوامة: وهي النفس المترددة بين المطمئنة بالسوء ، تارة يغلب هواها وشيطانها فتقع في المعاصي وتارة يغلب إيمانها فتندم وتؤوب وتلوم نفسها إلى ما فرطت ، فهي بين حالين.
3. النفس الأمارة: و هي التي تأمر صاحبها بما تهواه من شهوات الغي واتباع الباطل.
وتزكية النفس أمر الله به في كتاب أمرا واضحا ويكفي في أهميته أن الله أقسم إحدى عشر قسما على شرف هذ المنزلة وأنه لا فلاح إلا بها فقال تعالى في سورة الشمس ( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) ، وقد تعالى في سورة الأعلى ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ) .
ووسائل هذه التزكية بحيث ترفع النفس من كونها أمارة إلى كونها لوامة على المعصية ثم ترقيتها إلى كونها مطمئنة يجمعها مصطلحين " التخلية والتحلية " .
فالتخلية : تعني تخلية النفس من الأخلاق الرذيلة والأهواء الردية التي تقود النفس إلى وحل المعصية والبعد عن ربها .
والتحلية : هو ملؤها بالأخلاق الحميدة والمعاني الجليلة التي تعينها على طاعة ربها ومنازعة أهوائها .
ووسائل هذه التخلية والتحلية :
1– التوبة، فهي أول مقامات منازل العبودية عند السالكين، وبها يذوق الإنسان حلاوة الانتقال من التخلية إلى التحلية، قال الله عز وجل : "وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون" وقال سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم...".
2 – لزوم الاستغفار والذكر عموماً، لقول الله عز وجل: "ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين...".
وقوله سبحانه: "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم..." .
3 – مخالفة النفس الإمارة بالسوء والإنكار عليها وعدم تلبية رغباتها لأنها داعية للراحة والعصيان.
يقول الغزالي رحمه الله :
اعلم أن أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك، وقد خلقت أمارة بالسوء مبالغة في الشر فرارة من الخير، وأمرت بتزكيتها وتقويمها وقودها بسلاسل القهر إلى عبادة ربها وخالقها ومنعها عن شهواتها وفطامها عن لذاتها، فإن أهملتها جمحت وشردت ولم تظفر بها بعد ذلك.
و يقول ابن القيم رحمه الله :... ومما يعين على هذه المراقبة : معرفته أنه كلما اجتهد فيها اليوم استراح منها غداً إذا صار الحساب إلى غيره، وكلما أهملها اليوم اشتد عليه الحساب غدا، ومما يعينه عليها أيضاً معرفته أن ربح هذه التجارة سكنى الفردوس والنظر إلى وجه الرب سبحانه، وخسارتها دخول النار والحجاب عن الرب تعالى، فإذا تيقن هذا هان عليه الحساب اليوم، فحق على الحازم المؤمن بالله واليوم الآخر ألا يغفل عن محاسبة نفسه والتضييق عليها في حركاتها وسكناتها وخطراتها وخطواتها،
4– الإكثار من وعظها وتذكيرها بالموت والدار الآخرة : كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ( أكثروا من ذكر هادم اللذات ) وكان بعض السلف يقول : لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة لفسد قلبي .
5 – سوء الظن بالنفس والحيلولة بينها وبين الاغترار بالعمل والإدلال به على الله، فإن حسن الظن بالنفس يمنع من كمال التفتيش، يقول ابن القيم رحمه الله :... على السالك أن لا يرضى بطاعته لله، وألا يحسن ظنه بنفسه، فإن الرضى بالطاعة من رعونات النفس وحماقاتها، ودليل على جهل الإنسان بحقوق العبودية وما يستحقه الرب سبحانه ويجب أن يعامل به، ثم إن رضى الإنسان وحُسْنه ظنه بنفسه يتولد منهما من العجب والكبر والآفات الباطنة ما هو أشد من الكبائر الظاهرة من الزنا وشرب الخمر، ولا يكمل هذا المعنى عند العبد إلا أن يربأ بنفسه عن تعيير المقصرين من إخوانه، فازدراء الإنسان بنفسه أولى به من تعير المقصرين.
6- محاسبة النفس : وقد دل على وجوب محاسبة النفس قول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد" وقوله صلى الله عليه وسلم: "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني"(22)، دان نفسه: أي حاسبها.
وأخرج الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية".
وقال الحسن البصري: "إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه وكانت المحاسبة من همته".
7- الإقلال من النوم والأكل والكلام :
ومما يعين على تزكية النفس عدم الإكثار من هذه الأمور الثلاثة والإفراط فيها، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله موجبة لقسوة القلب وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي، وكثرة الأكل موجبة لقوة نوازع النفس الشهوانية لدى الإنسان، وتوسيع مجاري الشيطان فيه، وكثرة الأكل موجبة لكثرة النوم وكثرة النوم موجبة للعجز والكسل فضلاً عن أنها مضيعة للعمر، وقد قيل : من أكل كثيراً شرب كثيراً فنام كثيراً فخسر كثيرا.
المصدر :
تزكية النفس \ سيد محمد بن جدو .