"كلّ الأشياء التي تمّ أخذها في الاعتبار، أعتقد في الواقع أنّه من الأفضل تبنّي السرياليّة بدلًا من الخارقة للطبيعة، والتي استخدمتها لأوّل مرّة"
غيوم أبولينير
بتلك الكلمات عبر الفنان غيوم أبولينير في رسالته،حيث انه استخدم مصطلح السيريالية كعنوان فرعي خلال مسرحيته، التي وصفت بشكل او بأخر هدف السيريالية و تمردها على الواقع.
يعتبر الفن السريالي من الحركات الفنية التي ظهرت مستنكرة للواقع الذي يسيطر على الفن منذ عصور، و يقيد حريته، حيث ان مصطلح السيريالية يعني الواقعية الفائقة، او ما فوق الواقع، فهي تعبر عن الواقع بصورة غير مألوفة من خلال الاحلام التي تستوطن العقل الباطن او اللاوعي، لكي تجسد الفن بصورة غير مسبوقة خارجة عن المألوف، حيث انضم الى هذه الحركة العديد من الفنانين والشعراء والموسيقيين ليعبروا عن خيالهم ويكسرو فيود الواقع التي قيدت أفكارهم و حبستهم في إطار المنطق.
ترتبط السيريالية بالتعبير عن العقل الباطن و اللاوعي، بحيث أنها تعتبر حركة فكرية، استخدمت الفن كوسيلة لإطلاق الخيال الجامح اللاوعي، و تجسيد اللامألوف و الاحلام التي تتجمع في عالم الفنان الداخلي، و تشكيلها على صورة اعمال فنية تتحدى المنطق، و تمثل الملامح الخفية للواقع.
ظهرت العديد من الأعمال الفنية السريالية منذ بداية القرن العشرين ولعل أبرزها كان يتمثل في الأدب السريالي، الذي جسد فكرة اللامألوف بصورة ادبية و تلقائية في النصوص السيريالية التي تضمنت مواضيع الحلم و الخيال في القصائد والنصوص التي تأخذ القارئ عبر حكايا الخيال الخاصة بالكاتب ليكتشف عند نهاية الطريق بأن هذه الكلمات ما هي إلا حلم لشخص ما، ولعل الهدف من ذلك هو تحرير القراء من الواقع و الأساليب العقلانية و اجبارهم على فتح بوابات عالم الخيال التي تقودهم نحو اللامألوف.
أما بالنسبة لفنون الرسم، فقد طبقت السيريالية بشكل واسع على مختلف أعمالها وأصبحت اللوحات السيريالية مثالا يجسد الخيال و الأحلام التي كسرت حاجز المنطق، و لعل ابرز الفنانين الذي اسسو قواعد السيريالية في فن الرسم، هما رينيه ماغريت و سلفادور دالي، الذي استطاعا شق طريقهما بوضوح نحو العالمية باستخدام لوحات تحمل عناصر متميزة و أساليب غير واقعية.
عبر الفنان رينيه ماغريت عن اللاوعي في السيريالية عبر لوحاته التي استنبط تفاصيلها من عالمه الداخلي، فعند رؤيتنا للقبعات و التفاح الاخضر و الغيوم، و اشكالها الغير مألوفة أو الموجودة في أماكن لا تناسب الواقع و تحمل صفة الغرابة التي تجعلها تصرخ بصوت عال كما كنا يصفها، حيث كل شيء مألوف حوله الى صورة جديدة تحمل المتلقي نحو عالم الخيال الذي يعبر عنه من خلال ألوانه وخطوطه.
و على خطى مارغريت انطلق الفنان سلفادور دالي و أسس قواعد المدرسة السريالية في عالم الفنون وتحديدا الرسم، حيث أنه ابتكر العديد من اللوحات التي تجسد الواقع بصورة ضبابية تغطي الرؤى الواقعية و تجعلها أكثر ارتباطا بالاحلام، وكأنها نافذة تطل على حدائق الخيال الذي تستوطن عالم الفنان سلفادور دالي و تصور اللاوعي المختبئ في طيات ذهنه.
كانت أبرز تلك اللوحات برأيي تدعى لوحة إصرار الذاكرة التي استطاع دالي من خلالها تشكيل قواعده الخاصة للزمن و تصويره بصورة غير مألوفة تستنكر النظريات الفيزيائية، التي سقطت من حول الساعات المرتخية بصورة مائعة في اللوحة، التي برأيي استطاع دالي من خلالها التمرد على الواقع بصورة صريحة والتصوير من نافذة الأحلام.
من وجهة نظري استطاعت الحركة السيريالية أن تعبر عن اللاوعي المختبئ في العوالم الداخلية للفنان و تحريره من القيود الذي فرضها المنطق، مما جعل العديد من الفنانين يستلهمون أعمالهم و ينسجون خطوطا جديدة تأخذ الفن إلى منحنيات خارجة عن المألوف.