ان نظرة الفنان للحياة برأيي تختلف عن نظرة العالم إليها، بحيث ان عينا الفنان تبصر ما لا يركز عليه او ينتبه إليه الإنسان عادي، برأيي ان للفنان القدرة على رؤية التفاصيل في كل مكان، و ترجمة روح الأشياء حوله إلى لغة أخرى يكسوها الإبداع و تندرج تحت مسمى الفن.
حين يذهب الفنان في رحلته للبحث عن الهام، يسخر له الفن القدرة على رؤية الأشياء بصورة مختلفة عن ما هي عليه، فمثلاً الفنان الانطباعي عندما يذهب إلى الخارج ليعمل على تصوير وتشكيل لوحة تحمل في داخلها الحقول، و الحدائق وغيرها من المناظر الطبيعية، بحيث يعتمد الفنان كل الإعتماد على رؤيته للتفاصيل و الطبيعة حوله و إستخدامه للألوان الغير مألوفة، و نقل الصورة كما تراها عيناه بكل تفاصيلها، فهو يرى شكل الحان صوت العصافير و انحناءات اغصان الاشجار و غبار الطلع الذي تحمله النحلة من الازهار، وقطرات الندى على اطراف العشب، حيث انه يحمل كل ذلك داخل مخيلته، و يشعر به داخل روحه ليعمل على ترجمة العالم المحيط به بكل تفاصيله و يخرج للكون لوحة تحمل واقعية الصورة و لمسات خيال الفنان، لينقل للمشاهد صورة مبتكرة تجسد الإبداع بكل تفاصيله.
عندما ارسم لوحاتي احاول قدر الامكان استنباط الالهام من التفاصيل حولي و ايجاد طريقة لوصف الحكايا التي تعج بمخيلتي، ولعل الخطوط و الالوان هي من افضل الطرق لترجمة ما يدور بداخل عالم روحي وبتالي العمل على تجسيدها بصورة متجانسة داخل لوحة من الممكن ان توصف بأنها مبتكرة.
يمكنني ان أعتبر الفن نعمة عظيمة في حياتي حيث انه غير من نظرتي للحياة بشكل إيجابي، وجعلني اكثر ثقة بنفسي، و إيمان بروح الأشياء حولي اياً كان مصدرها أو شكلها، فكل مخلوق في هذا الكون مهما اختلف شكله، و تصنيفه بين جميل وقبيح، يحمل في داخله روحاً و جوهر يمر من خلاله عبر الطريق الذي سخره الفن إليه بجميع عناصره للكشف عن تفاصيل رسالته الكونية، التي تجسد قدرة الفنان على ترجمة روحه.
يمكنني أن أجزم بأن الفن غير من نظرتي للحياة وجعلها اكثر انفتاحاً، و تطوراً، وغير من مفهومي للجمال فكل شيء في هذا الكون هو مخلوق جميل مهما صغر حجمه فهو يمثل بكل بساطته جرماً صغيراً ينطوي بداخله العالم الأكبر.