لم يرد في النصوص الشرعية (القرآن الكريم والسنة النبوية) عن المدة التي استغرق النبي نوح عليه السلام في بناء السفينة، لأن الأمر كله كان معجزة وبتأييد الله تعالى بدليل قوله تعالى: (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ) سورة هود (37)
- فكانت معية الله تعالى معه بقوله تعالى (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) يعني بأعيننا فلا يستطيع أحد أن يمنعك من صناعتها، ووحيينا: هو جبريل الذي سيساعدك في صناعتها، فلا تحزن يا نوح فأنت أمة وفريق كامل (بأعيننا ووحينا).
- وكذلك لم يرد نص ثابت في القرآن أو السنة عن مدة مكث نوح عليه السلام في البحر أو في السفينة ولكن تقول بعض الإسرائيليات أنه مكث أربعين يوماً، والعلم بهذا الأمر لا ينفع والجهل به لا يضر ولو كان مهما لذكره القرآن الكريم.
- فالمهم في القصص القرآني هو أنه جاء تسلية ومواساة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وعبرة للمؤمنين إلى يوم القيامة.
ومن خلال النظر إلى قصة سيدنا نوح عليه السلام في صناعة السفينة نستخلص النقاط التالية:
أولاً: في البداية أن موضوع السفينة كان غريباً على عليه وعلى قومه، لأنهم كانوا لا يعرفون السفن وصناعتها بدليل استغرابهم وسخريتهم منه عليه السلام.
ثانياً: تمت صناعة السفينة برعاية الله تعالى ووحيه وهو جبريل عليه السلام.
ثالثاً: كانت سفينة كبيرة في ذلك الزمان وحمل فيها من كل شيء زوجين اثنين غير الذين آمنوا معه.
رابعاً: تمت صناعة السفينة على الأرض اليابسة ولم يكن هناك وجوداً للماء وهذا الذي أثار استغراب قوم نوح من صناعته للسفينة على اليابسة.
خامساً: بعد اكتمال صناعة السفينة أمر الله تعالى نوح أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين، بالإضافة إلى من آمن من عائلته ومن قومه؛ فالطوفان القادم لن يبقي ولن يذر، وعندما استقر كل شيء في السفينة وتجهز المؤمنون لرحلة النجاة.
سادساً: أمر الله تعالى الأرض فانفجرت ينابيع، وأمر السماء فأنهمر الماء فالتقى الماء على أمر قد قُدر.
سابعاً: جرت بهم كموج كالجبال - لأن الماء قد ارتفع وأبتلع حتى الجبال فأصبحت السفينة كالجبل في البحر.
ثامناً: وعندما أراد الله تعالى لها الوقوف، وقفت على جبل اسمه (الجودي) في أرض العراق وأمر الله تعالى السماء أن توقف غيثها، والأرض أن تبتلع مائها، وأهلك الله تعالى الظالمين حتى أحد أبناء نوح كان منهم وهو الذي رفض أمر والده بالركوب في السفينة فكان من المغرقين. قال الله تعالى: (فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ) سورة الشعراء (119-120).
- يقول"ابن خلدون" في "التاريخ " واتفقوا على أنّ الطوفان الّذي كان في زمن نوح، وبدعوته: ذهب بعمران الأرض أجمع، بما كان من خراب المعمور، ومهلك الذين ركبوا معه في السفينة، ولم يُعْقِبوا، فصار أهل الأرض كلّهم من نسله، وعاد أبًا ثانيًا للخليقة "
ن الأمر معجزة، فلا يصح قياسه بالعقل المجرد الذي تحكمه القوانين والسنن المطردة، وقد أحسن ابن عطية الأندلسي حينما قال في تفسيره المحرر الوجيز: وهذا كله قصص لا يصح إلا لو استند، والله أعلم كيف كان..
- وخلاصة القول: أن السفينة وصناعتها كانت عبارة عن معجزة وآية من آيات الله تعالى الكونية، وأن المدة التي استغرقت في بناء هذه السفينة غير معروفة، لأن هذا من أمور الغيب وأحوال الماضي التي لم يطلعنا القرآن الكريم عليها، وعليه فلا ينبغي البحث عنه ولا التقصي عن تفاصيله إلا بقدر ما ينفع، لأنه لا يترتب على ذلك عمل باطن ولا ظاهر!