أختلف وبشدة هنا مع رأي العالم ستيفن هوكينغ بما يخص موت الفلسفة في ظل التطور العلمي. إن الكثير من علماء العصر يعتبرون الفلسفة شكلًا مختلفًا تمامًا عن العلم، وإن كنت لا أتفق كثيرا مع هذا الرأي أيضا، لكن أرى أن بين الفلسفة والعلم نقاط تقاطع وإن كانت ليست بالواضحة إلا أنها تجعل كل منهما يرتكز على الآخر. لذا موت طرف على حساب الآخر هو شيء غير ممكن.
فمثلا؛ قد استطاعت الفلسفة مؤخرًا بتقديمها التوضيحات المفاهيمية أن تكون أداة يمكن تطبيقها لوصف "الجذعية"، وهي الخاصية التي تحدد الخلايا الجذعية. ثم تلا ذلك استخدام نفس هذا الإطار الفلسفي في مجال آخر وهو دراسة العضيات.
تمكنت الفلسفة أيضًا إلى جانب التوضيح المفاهيمي أن تقدم نقدًا للافتراضات العلمية، ويمكن أن تكون سببًا في تقديم نظريات جديدة قابلة للاختبار. وقد تم تطبيق النقد الفلسفي على جهاز المناعة الذاتي، وأدت بالتالي إلى صياغة إطار نظري جديد تتحدث عن عدم استمرارية المناعة، إضافة إلى توسيع إطارات العلم بالبكتيريا والفيروسات التي يتعرف عليها جهاز المناعة لكن لا يقضي عليها.
واستمرت مساهمات الفلسفة أيضًا بالتأثير على العلوم المعرفية كما هو الحال مع علم المناعة. وأخص بالذكر هنا نظرية نمطية العقل التي اقترحها الفيلسوف جيري فودور والتي كانت الأكثر وضوحًا.
إنه بأساليب الفلسفة المختلفة كتوضيح المفاهيم العلمية، والتقييم النقدي للافتراضات أو الأساليب العلمية، وصياغة مفاهيم ونظريات جديدة، وتعزيز الحوار بين العلوم المختلفة، وكذلك بين العلم والمجتمع- تمكن العلم من الوصول إلى غايات جديدة كان من الممكن أن لا يصل إليها أو أن يحتاج الكثير حتى يجد لها نقطة بداية على الأقل. ولا يقتصر الأمر على الأمثلة المذكورة أعلاه، فقد أثرت الفلسفة على مجالات كثيرة كعلوم الفيزياء مثلًا. وهكذا تستمر الأمور، فلا غنى للعلْم عن الفلسفة. وحتى وإن شعرنا بذلك، هنالك دائمًا نقاط عودة.
أختم برسالة أرسلها العالم أينشتاين إلى الفيزيائي روبرت ثورنتون يتحدث فيها عن أهمية التاريخ وفلسفة العلم: " الكثير من الناس اليوم -وحتى العلماء المحترفين- يبدون لي كمن رأى الآلاف من الأشجار ولكنه لم ير غابة في حياته. مثل هذه الخلفية من المعرفة التاريخية والفلسفية تمنح نوعا من الاستقلال عن انحيازات بني جيله والذي يعاني منه معظم العلماء. هذا الاستقلال الناشئ عن البصيرة الفلسفية هو – في رأيي – علامة التمييز بين مجرد حرفي أو متخصص وطالب العلم الحقيقي"