في الحقيقة، أنا أؤمن بأن كل شيء في هذه الحياة مترابط، مهما كانت بسيطة في عيوننا، حتى الأشياء التي لا تخطر ببالنا، كشهيقنا للأوكسجين، فهذا الشهيق هو في الحقيقة زفير للنباتات، وبالتالي فإن إحدى صور ترابطنا مع النباتات تتمثل بتنفسنا، وهو أمر نقوم به لا شعوريا و نتعامل معه كإحدى المسلمات.
من هواياتي المفضلة التي تجدني أستمتع بها لا شعوريا هي عمل الخرائط الذهنية واستخدام الأقلام الملونة والبحث عن الروابط بين الأشياء مهما كانت ضخامتها أو تفاهتها. وقد تستغرب في بداية الأمر أن شيئا معينا قد يرتبط بآخر، ولكن بالقليل من التفكير و التعمق، ستجد أن الأمر منطقيا تماما، وهي طريقة تفكير تجعلني أرى الأمور بطريقة أبسط وتسهل علي حل المشكلات.
وبالتالي سأجيبك على سؤالك بنعم، العلوم أيضا مترابطة، بما فيها الفيزياء و علم النفس، وقبل أن أشرح هذا الترابط الذي قد يكون بداية لا منطقيا للوهلة الأولى، دعني أولا أوضح لك المفاهيم الأولية لكلاهما على حدة.
أولا : ما هي الفيزياء؟
لقد بحثت في العديد من المصادر عن شرح معنى علم الفيزياء، ووجدت أن أبسطها هو أن الفيزياء هو العلم الذي يدرس المادة والطاقة والعلاقة بينهما، وأن ظهور هذا العلم بالتحديد هو سبب ظهور عدة علوم من بعده، وأن الفيزياء وجدت أساسا بسبب فضول الإنسان و رغبته في أن يعيش حياة أفضل، فحتى رجل الكهف البدائي، عندما قام بتعلم بعض المعلومات البسيطة عن الطبيعة، ساعده ذلك على استغلالها لصالحه، فتعلم أن احتكاك حجرين يولد الحرارة ومن ثم النار التي تساعده على الطهي الرؤية في الظلام وإبعاد الحيوانات المفترسة عنه، وتعلم مواقع النجوم في السماء مما ساعده على المشي في الليل المظلم بالاتجاه الصحيح بدون أن يضيع. و تطور الإنسان وتطورت معرفته بالفيزياء الى درجة جعلته قادر على توجيه صاروخ باتجاه أعدائه عن بعد.
تأتي كلمة الفيزياء أصلا من الكلمة اليونانية (فيزيس) ومعناها الطبيعة، وهي تعتبر الأساس لعلوم عديدة، منها علوم الكيمياء وعلوم الأرض (الجيولوجيا) وعلم الأحياء (البيولوجيا) وعلم المواد والفلك والاتصالات وغيرها.
علم الفيزياء يجعل الإنسان يدرب عقله على التفكير بطريقة منظمة، وعادة ما يقسمها العلماء الى فرعين هما: الفيزياء التجريبية والفيزياء النظرية.
الفيزيائيين التجريبيين هم من يقومون بتصميم الأجهزة و يحققون في مظاهر الكون، كأن يدرسوا الخواص الكهربائية للمواد عند درجة حرارة الصفر المطلق.
أما الفيزيائيين النظريين هم المسؤولين عن وضع نظريات فيزيائية ويدرسون التحقيقات بطريقة رياضية مستخدمين المعادلات.
لذا نجد أن الفيزياء التطبيقية والفيزياء النظرية يكملان بعضهما .
كما أن الفيزياء تصنف الى الفيزياء الكلاسيكية، والفيزياء المعاصرة أو الحديثة.
فالفيزياء الكلاسيكية ترجع إلى 400 سنة سابقة، أيام العلماء العظماء نيوتن وغاليليو ودراستهم في الميكانيكا، اما الفيزياء الحديثة تتناول مواضيع أعقد و أصعب مثل فيزياء الكم والنظرية النسبية.
ثانيا : ما هو علم النفس؟
علم النفس هو العلم الذي يدرس طبيعة النفس البشرية و يحاول فهمها، وهو قديم قدم الإنسان، إلا أنه لم يكن علما مستقلا، بل بدأ كفرع من فروع الفلسفة اليونانية، ثم انفصل عنها تحت مسمى (العلوم الإنسانية)، وهو علم يدرس نشاط ومشاعر البشر، وأفكار النفس وأحلامها، وأسرارها و رغباتها، وبالتالي ميولها وانفعالاتها.
وهو العلم الذي يبحث في علاقة الإنسان بالأشخاص المحيطين به، والبيئة التي تحتويه، من خلال التأقلم والتفاعل والتعايش. وهو العلم الذي يبحث في العمليات العقلية والحركية للإنسان.
في الحقيقة تختلف تعريفات علم النفس، وذلك لتنوع المدارس الفكرية وتشعب أقسامها و تطور مجالاتها، ولكن بالرجوع الى جمعية علم النفس الأمريكية American Psychological Association، وقاموس كامبردج Cambridge، فإن علم النفس هو الدراسة العلمية للطريقة التي يعمل بها العقل البشري وتأثير ذلك على السلوك، والسلوك هو أي نشاط خارجي يصدر عن الإنسان، ويمكن ملاحظته بطرق مباشرة، كالحركات والأفعال والأقوال والإيماءات، وقد يكون السلوك عبارة عن نشاط داخلي، لا يمكن ملاحظته بطرق مباشرة، ولكن يمكن الاستدلال عليه وكشفه بطرق خاصة، كالتفكير ومشاعر الإنسان وميوله و رغباته.
أما عن علاقة علم النفس في الفيزياء، فقد تم الاعتماد على أسس الفيزياء في بناء و تطور علم النفس، والأمثلة على ذلك عديدة، أذكر منها ما قام به أبو الفلسفة الحديثة، الفيلسوف والفيزيائي المعروف رينيه ديكارت، والذي أسس مذهب العقلانية، وصاحب المقولة الشهيرة "أنا أفكر، إذا أنا موجود".
يرى ديكارت أن رد الفعل الحسي هو عبارة عن ترجمة المثيرات بصورة صحيحة، وخروج رد فعل مناسب لهذه المثيرات، يعني لو دخل الإنسان مثير بصري، فإن رد الفعل أو الاستجابة تكون أيضا بصرية، ويقول ديكارت أن رد الفعل يكون على شكل استجابة سلوكية، كسلوك سمعي أو سلوك بصري، أو استجابة حركية كأن يقوم الطفل بحركات معينة أو استجابة تفاعلية.
كذلك عالم الرياضيات والفيلسوف توماس هوبز الإنجليزي، ويعتبر أول الفلاسفة الماديين، والذي اعتقد أنه بالإمكان تحويل العمليات التي يقوم بها العقل الى عمليات حركية، وقام بتأليف عدة كتب، منها كتاب بعنوان "مبادئ القانون الطبيعي"، كما أن قد قام بتأليف كتاب اسمه "في الإنسان" والذي يطرح فيه بعض المسائل و النظريات الفيزيائية في مجال علم البصريات.
برأي هوبز أن كل شيء، حتى الأشياء اللامادية كالتفكير والوعي وغيرها، هي عبارة عن حركات أو انعكاسات لحركة الدماغ والقلب، والتي هي أشياء مادية. وكان يعتبر أن كل ما يحدث في هذا الكون، يمكن دراسته و فهمه، وتفسيره على أنه حركات مادية، ومن هذه النظرة، بنى نظريته في المعرفة، مستندا على هذه المبادئ المادية التي ذكرتها لك وكان يؤمن بها، وبالتالي فإن مصدر المعرفة الوحيد والأساسي هو الإحساسات الآتية من الحواس.
إن العلوم مترابطة بشكل كبير، لذا ترى العالم قديما لم يكن عالما في الفيزياء فقط، أو عالما في التشريح فقط، أو عالما في الفلك أو البصريات فقط، بل كان يجمع علم الشخص الواحد منهم عدة علوم، وذلك لأن فصلها عن بعضها أمر مستحيل.
أفلاطون كان فيلسوفا ورياضيا، وغاليليو كان فيلسوفا وعالم فلكي وفيزيائي، ونيوتن كان عالم فيزياء وبصريات ورياضيات، وحتى العرب من العلماء، فجابر بن حيان برع في علوم الكيمياء والفلك والهندسة وعلم المعاد والطب والصيدلة، ومن العلماء المسلمين ابو بكر الرازي الذي كان طبيبا و كيميائيا وفيلسوفا ورياضيا. إذا وباختصار، كل شيء مترابط في هذا الكون، وعلومه هي إحدى هذه الأشياء المترابطة.