عُقدة المُخلّص أو
عقدة المُنقِذ أو كما تسمى أيضاً
بمتلازمة الفارس الأبيض، هي عبارة عن بناء نفسي معقد تجعل من يمتلكه يسعى في البحث عن الأشخاص الذين يحتاجون مساعدة ليساعدهم، ويضحي بنفسه من أجلهم.
وطبعاً كما هو واضح من
الملامح السطحية لهذه العقدة فمساعدة الآخرين عمل نبيل، والأشخاص الذين يمتلكونها أفضل من غيرهم لأنهم على استعداد أن ينكروا ذاتهم من أجل راحة الآخرين، ومعظم من يمتلك هذه الصفة أو هذا المعتقد والعقدة، يميلون إلى تكريس حياتهم فعلاً لمساعدة الناس، كالأطباء والممرضين ورجال الإطفاء * (طبعاً لا أقول أن جميع هؤلاء الوظائف يشغلها أناس يملكون عقدة المخلص ولكن أقول أن الشخص الممتلك لهذه العقدة قد يسعى لامتلاك هذه الوظيفة مدى الحياة).
ولكن لماذا هي عقدة؟؟ وليست مجرد صفة حميدة نتغنى بها؟ لأنه يا عزيزي القارئ، هناك فرق بين أن تساعد شخصاً يستحق المساعدة، وأن تنقذ أو تخلص شخصاً لكي تحس بشعور أفضل حول نفسك.
أول مشكلة تحوم حول عقدة المخلّص هي أن الشخص الذي يمتلكها، لا يحس بالثقة إلا عند تخليص الآخرين، يتغذى على المشاعر الإيجابية الناتجة عن مساعدة الآخرين فقط وبسبب ذلك يزيد اعتقاده أن مساعدة الناس هو هدفه وغايته الأسمى في الحياة، ومن ثم يستهلك نفسه بشكل زائد عن حده، يضحي بأشياء لا داعي لأن يضحي بها، يصبح مُدمناً.
يقول دكتور النفس في العاصمة واشنطن، الدكتور موري جوزيف، أن الفارس الأبيض دائماً ما تنتابه
خيالات بالسلطة المطلقة، وخيالات بأن المنقذ الوحيد والسوبرمان الوحيد القادر على إصلاح كل شيء هو نفسه. هو الأدرى بمصلحة الآخرين ورغباتهم وحياتهم، وبالتالي يسعى إلى تغيير حياة الناس على هواه بالإجبار، فتتحول المساعدة إلى إكراه وتحكّم.
ينجذب المصابين بعقدة المخلص إلى الأشخاص الغارقين في المشاكل على نحو تلقائي. وينبع هذا الأمر من احتمالية معاناة المنقذ في طفولته وتحمله للألم الكبير، بالتالي ينمو هذا الألم ليتحول إلى رغبة بمحو آلام الآخرين.
عقدة المُخلّص تحمل في جعبتها بعض
المازوخية الأخلاقية و
تدمير الذات لأهداف أخلاقية. فتتخطى حدودك بالتضحية بذاتك لمساعدة من يحتاج ولا يحتاج للمساعدة. تضحي بوقتك ومالك ومشاعرك ومساحة أمانك. وتميل بالفعل إلى القناعة بوجوب مساعدة الجميع حتى من لا يريدون المساعدة، أو حتى من لا يستحقونها، على حساب حاجاتك أنت.
الإرهاق، الاستنزاف، الإنهاك، الاحتراق، Burnout، كلها
نتائج عقدة المخلص، فطاقتك تضعف تضعف وتنقص حتى تزول وتنمحي، فتغدو أنت بحاجة إلى من يساعدك.
تتدمر علاقاتك بسبب هذه العقدة وخصوصاً العاطفية منها، فحين يشعر شريكك أنك تراه وكأنه فازة مكسورة بحاجة إلى ترميم، فسيكرهك. لا أحد يريد أن يكون محط إصلاح وتصحيح. وقد تبني هذه المشكلة الاعتماد المتبادل والتواكل. باختصار العلاقة ستتدهور إلى الأسفل بسبب رغبتك الجامحة بأن تكون فارساً أبيضاً.
مساعدة الآخرين كما رأينا لا تنجح دائما،
فقد تلاقي الكراهية والإنتقاد والرفض، فتفشل محاولة الإنقاذ النبيلة، فشل بعد فشل يكون سبب في انتقادك لذاتك في النهاية، ضياع ثقتك بنفسك، الشعور بعدم الكفاءة والذنب مما يولد بشكل فعلي كره الناس الرافضين لمساعدتك. والاكتئاب.
الزُبدة، إن كنت مدمناً على مد يد العون بشكل مبالغ به، وإن كنت تعتقد أنك السوبرمان والعارف الوحيد فأنت تعاني من عقدة المخلّص. لتتخلص من هذه العقدة المؤرقة حاول أن تستمع أكثر، استمع قبل أن تتصرف، فكما أقول دائماً، الإنصات باهتمام أفضل مئة مرة من محاولة إيجاد حلول بالإجبار والضغط. اعرض المساعدة بشكل معتدل، وساعد بشكل معتدل إن طُلِب منك أن تساعد. وعليك أن تتذكر أنك مسؤول عن نفسك فقط، وتحكم بنفسك فقط. ودع حياة الناس للناس.