لعل أول ما يخطر ببالي عند سماع مصطلح الكتب القوطية، هو سلسلة من الذكريات التي تبدأ في الليالي المظلمة التي تتخللها حكايات الجدة المشوقة، وتنتهي بصالة السينما حيث يستحوذ الخوف على زوايا حكاية الرعب المتجسدة في الفيلم على الشاشة.
دراكولا، العوالم السحرية، الغابات الموحشة، المومياءات المرعبة، (الزومبي) أو العائدون من الموت، وغيرها من الشخصيات التي ارتبط اسمها بمشاعر الخوف بداخلنا، ودارت أطيافها حول كل مجلس ينطق حروف كلماتها.
هذا العالم العجيب الذي تسكن بداخله هذه الشخصيات يدعى أدب الرعب أو أدب الرعب القوطي، فما هو المقصود بهذا النوع من الأدب وكيف نشأ وظهر للعالم؟
يعتبر الأدب القوطي من الأنواع الأدبية الخيالية التي تجمع بين الجانب المظلم للواقع الممزوج بدرامية الخيال الشيء الذي يجعلها تزرع مشاعر الخوف بداخل القارئ عبر قصصها الممتلئة بالرعب والغموض.
تصنف الأعمال التي تدور في إطار الأجواء المظلمة التي تتجسد عبر القصور والقلاع المتهدمة ودور العبادة المهجور والمدن المنفية وغيرها من المناطق التي تستعمر أزقتها الظواهر الخارقة للطبيعة، وبالتأكيد تمتاز شخصيات الروايات القوطية مثل البطل الشرير أو مصاصين الدماء أو الأشباح بارتدائها عباءة الغموض والظلام المتخلل للتفاصيل المشؤمة المسيطرة على الملامح الرئيسية للحبكة الدرامية المتجسدة في الصراع النفسي والكآبة وظلام الروح المتمركز في صفحات الرواية التي تعتبر الهواية التي تقضي فيها الشخصيات حذفها وتسير عبرها في طريق الجنون شيئاً فشيئاً.
ظهر الأدب القوطي للعالم منذ قديم الزمان حيث كانت الصورة الأولى له متمثلة عبر القصص والحكايات المخيفة التي كان يسردها الإنسان ويستنبطها من الواقع الممزوج بالخيال، ليشكل عبرها أساطير وقصص تستحضر الخوف بداخل الإنسان.
ومع بداية القرن العشرين اكتمل نحت الأدب القوطي وتم استخدامه في عدة روايات لاقت قبولا ونجاحاً لدى القراء وتحديداً فئة المراهقين منهم، حيث كانت بداية شعلة ظهورها للعالم على يد الكاتب (إدجار آلان بو)، والكاتب (ستيفن كينغ) عبر قصصهم المرعبة المتجسدة في روياتهم ولعل أبرزها:
-القط الأسود (إدجار آلان بو)
“لا أتوقع أو أطلب من أحد تصديق الوقائع الغريبة التي أتأهب لكتابتها في هذه القصة القصيرة”.
بهذه الكلمات عبر الكاتب إدجار آلان بو عن روايته الشهيرة القط الأسود، والتي تعتبر من أكثر رواياته رعباً.
حيث إنه جمع فيها العديد من المشاهد الخيالية والحكايات الغريبة التي تتصف بجموح أفكارها وقدرتها على بث الخوف في نفوس القراء مع كل كلمة تسرد أسرارها المدفونة في طيات الأوراق.
برأيي لعل الظروف الصعبة والمأساوية التي تعرض لها الكاتب خلال حياته جعلته يصنع عالم يلجأ إليه كلما راودته الذكريات، ويستنبط من خلاله أفكاره الخصبة المفعمة بالخيال ويؤسس منها عوالم على أرض أوراقه وعبر غيث حبره الذي أحيا كلمات روحه المدفونة في مقبرة النسيان، وبث فيها أطياف الخيال التي صنعت شخصيات الرواية وجعلت القارئ يهاب المرور بقرب حروفها، وينجذب لعذوبة مشاعر الخوف التي تصيب فؤاده.
- (رواية إت)
لطالما كان المهرجين المرعبين الشخصيات الرئيسية في أفلام الرعب ولعل معظم أفكار هذه الأفلام تم اقتباسها من روايات الأدب القوطي، بحيث تعتبر مصدر إلهام للعديد من سيناريوهات الأفلام على مدار الزمن ولعل أبرز هذه الروايات يتجسد عبر قلم الكاتب (ستيفن كينغ) وروايته (إت) الذي عبر من خلالها عن قصة الأطفال الذين يرهبهم أحد الكيانات الشريرة الذي يستغل نقاط خوفهم ويتنكر بها ليطاردهم، حيث إنه يظهر على شكل مهرج راقص يلاحق الأطفال ويقضي عليهم.
استطاعت هذه الرواية برأيي أن تعبر عن الخوف وتجسده على أرض الواقع عبر شخصيات خيالية تحمل رسائل الرعب وتبثها في نفوس الكلمات المحملة بأسرار عالم خيال الكاتب، لتنتقل من أوراقه إلى فؤاد القارئ وتتحكم بمشاعره وتزرع الرعب في أفكاره.
على الرغم من انتشار الأدب القوطي بشكل كبير في العالم، إلا أنه لم يعترف به من قبل بعض الأدباء والنقاد حيث إنهم وصفوه بالأدب اللقيط والطفيلي، الذي لا يحمل أي اهداف معبرة.
من وجهة نظري يجب على العمل الأدبي أن يتشكل عبر عدة قيم من ضمنها القيم الحسية والقيم التعبيرية، التي بدورها تكسب العمل الأدبي أساس بناءه وتجعله يتبلور عبر التجارب والأحاسيس التي ينقلها الكاتب من خلال ألفاظه وكلماته وصوره الفنية مما يجعل هذا العمل يستحق أن يضاف إلى صفوف عالم الأدب ويكتسب لقبه بين تفاصيل عنوانه.
ولعل الأدب القوطي من وجهة نظر النقاد يبعد كل البعد عن قالب الأدب، وذلك بسبب تفردها واختلاف هدفها المتمثل عبر أفكارها الغريبة حيث يعتمد الكاتب على نبش الخوف المدفون في فؤاد القارئ دون أن يقتبس مشاعره وعواطفه التي راودت روحه عند كتابة كلمات روايته، ولا أن يصور الأفكار الفلسفية التي أرقت عيناه ويبلورها من خلال حروفه.
لذلك تعتبر الروايات القوطية من الروايات التي تخاطب بشكل أساسي غريزة الخوف بداخل الإنسان وتحييها، دون الاكتراث في أغلب الأحيان لمخاطبة القارئ عبر عقله أو مشاعر قلبه، لكنها وبلا شك تعتبر من الروايات الإبداعية التي تحتاج لصفات التميز والخيال عند كتابتها، لذلك تعتبر هذه الروايات من أشهر الروايات عبر العصور وتحتل مكانة خاصة في رفوف المكتبات العالمية.