هل يمكنك أن تتحدث عن فكرة الوسط الذهبي لدى أرسطو؟

2 إجابات
profile/ملاك-آدم
ملاك آدم
اللغة العربية
.
١٢ أبريل ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
آمن أرسطو أن الحياة المثالية هي الحياة التي تُعاش بجميع نواحيها ضمن المعقول. ما هي جميع نواحيها؟ الأعلى والأدنى، أن تعيش الحياة بطولها وعرضها، تختبر الشجاعة وتختبر الجُبن والضعف، وأن يمارس المرء الشجاعة من منطلق التجربة وليس من منطلق الوجوب والفرض.

الوسط الذهبي مقياس يحدد الفضيلة. ويقتنع أرسطو أن الشخص الفاضل أخلاقياً هو الذي يحقق التوازن بين الأضداد على هذا المقياس: الرذيلة الزائدة Vice Excess - نقص الرذيلة Vice Deficiency. تحقيق التوازن هنا نافع ولكن في بعض الأحيان يؤدي إلى الخراب. الموازنة والتوازن نافع في التجارب البحثية، الاستكشاف والمغامرة، تجربة هذا وتجربة عكسه لاختبار الأفضل. ولكن أن يكون مقياساً لتحديد الخير والشر في جميع مواقف الحياة فهذا لا ينفع. بعض الأمور لا تحتمل اللون الرمادي.

تتحقق أخلاقيات الفضيلة عند القيام بالأفعال الجيدة وامتلاك الصفات الحميدة لغاية سمو الشخصية وليس الشعور بالواجب وتنفيذ المهام. أي الكرم مثلاً، تتحقق الفضيلة من خلاله إذا كان نابعاً من الشخصية نفسها، ناتجاً عن تجارب الحياة، ليس إجبارياً ولا وسيلةً لتحقيق نتائج الفضلى. الوسط الذهبي يحقق الفضائل على شكل طبيعة ثانية للإنسان، فالطبيعة الأولى هي الرذائل.

يقول أرسطو أن دراسة الفضائل والأخلاق ليس علماً محدداً وثابتاً، أي أنه غير منوط بقواعد صارمة ومخطوطة ومكتوبة. بل هو مبني على نظريات تنافس بعضها، علم مرن وسلس وقابل للتغيير والأخذ والعطاء. ويتفق معه علماء الأخلاق الحديثون.

أنشأ أفلاطون في أثينا مدرسة للفلسفة عُرِفت بـالأكاديمية. درس فيها أرسطو. وعلى الرغم من أن أرسطو كان تلميذاً لأفلاطون إلا أنه كان مُنتقِداً له، ومختلفاً عنه في الأسلوب والمحتوى الفكري. مع هذا، تشارك الاثنان في فكرة حياة الفضيلة، النافعة للفاضل وللمجتمع. وأن أعلى وأسمى كيان قد يتحقق للإنسان، هو الكيان المتحقق بِعيش الحياة بكامل تفاصيلها، أعماقها وكلّها. اختلف الفيلسوفان على أن الإنسان لكي يكون فاضلاً، فعليه أن يحقق المعرفة الكاملة بالخير. اقتنع بهذه الفكرة أفلاطون وعارضه أرسطو.

يرى أرسطو الكون بمثابة هرم، كل درجة فيه لها دور ومعنى. أعلى الهرم أو شكل للوجود، هو وجود المخلوقات العاقلة، ووظيفة المخلوقات الدُنيا هي خدمة العُليا. على هذا الأساس دافع أرسطو عن العبودية لأن الإغريق في نظره أكثر سموّاً من البربر، فالبربر بالتالي أدوات للخدمة. وكذلك الحيوانات وُجِدت لإشباع بطون البشر. اشتق أرسطو نظرية أخلاقية من هذه الأفكار تتمحور حول طبيعة الإنسان: جميع المخلوقات تمتلك إمكانيات خاصة بها وتطوِّرها، تعيش المخلوقات كلها حياتها بما يناسبها وتحقق أهدافها. وانبثق من هذه النظرية السؤال الجوهري: ما هي إمكانيات الإنسان؟ - المنطق. تطوير قدرات التحليل والسببية والمنطق لدى الإنسان تؤدي إلى عيش أفضل حياة بالتوافق مع طبيعته.

الوسط الذهبي لأرسطو مماثل للطريق الوسطي لبوذا، والذي يقع بين نكران الذات وإنغماس الذات. في فضيلة العفة يقول أرسطو أنه من السهل تحقيق الانغماس في الذات من خلال المتعة الجسدية، ولكن تترافق هذه المتعة مع القلق.

تظهر فكرة الوسط الذهبي والطريق الوسطي كثيراً في روايات الشاعر والروائي الألماني العظيم هيرمان هسه. كرواية نرسيس وجولدموند، سدهارتا، دِميان. معظم رواياته تبحر في بحر الفضيلة من خلال عيش الملذات لأعمقها، والفضائل لأرفعها، حيث يجد الإنسان نفسه في النهاية.

  • مستخدم مجهول
قام 1 شخص بتأييد الإجابة
profile/ندى-ماهر-عبدربه
ندى ماهر عبدربه
دبلوم في Dental hygienist (٢٠١٨-٢٠٢٠)
.
٢٩ يناير ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
 لعلّ جواب هذا السؤال يختبئ بين طيّات التاريخ، ولكي أستطيع استنباط تعبير وافي لفكرة الوسط الذهبيّ يجب علينا أن نبحر قليلاً في بحر الزمن. 

ولعلّ وجهتنا الأولى سوف تكون على ضفاف مدينة أنطاليا لنسير قليلاً نحو معبد أبولو لنرى نقوش القواعد الدلفيّة الّتي ذكرت مفهوم الوسط الذهبيّ بقولها: أنّه يجب على المواطن الإغريقيّ أن "لا يأخذ شيئاً إلى حدّه الزائد" سواء كان ذلك في حياته اليوميّة أو خلال قضائه لأعماله، ومن هنا انبثق مفهوم الوسط الذهبيّ عند الإغريق، لنتمكّن من استكمال رحلتنا نحو مدينة أثينا حيث كان الفيلسوف أرسطو يخطّ كتاباته ليجمعها في كتابه تحت مسمّى "علم الأخلاق"، بحيث إنّه ابتكر فكرة الوسط الذهبيّ وعرفه بأنّه الفضيلة الّتي تمثّل السمات الشخصيّة للفرد الّتي يكتسبها عن طريق ممارسة الأعمال والاقتداء بنماذج جيّدة في حياته، وأنّ الفضيلة تعتبر الوسط الذهبيّ بين صفتين متناقضتين وحدّدها أرسطو في كتابه على شكل 11 صفة منها: الشجاعة، والاعتدال، والكرم، والبهاء والنبل، والصبر، والصدق، والكياسة، والمودّة، والحياء، والإنصاف حيث اعتبر هذه الصفات تشكّل صفات وسطيّة تفصل بين صفتين يعبّران إمّا عن الإفراط أو النقصان في الشيء، حيث استطاع أن يفرّق بين الفضيلة عن غير الفضيلة من خلال الوسط الذهبيّ والفضائل الّتي تجسّده. 



ولعلّ هذه الفكرة فسّرت العديد من الظواهر الّتي تشكّل العديد من المجالات لدى الإغريق، وأبرزها الطبّ حيث استطاع الإغريق تبنّي فكرة الوسط الذهبيّ، وتطبيقها في الطبّ الابقراطيّ الّذي ينصّ على أنّ سوائل الأربعة في الجسم يجب أن يكون بينهم توازن وسطيّ حتّى يظهر الشخص سليماً، واستطاعوا تعريف المرض على أساس هذه الفكرة، بحيث فسّروه على أنّه هو أيّ اختلال في توازن هذه السوائل، وتمكّنوا أيضاً من ربط فكرة الوسط الذهبيّ في الفنون حيث إنّك عندما تتجوّل في حدائق أثينا تجد الفيلسوف سقراط يجسّد التوسّط في مثال يقارن فيه بين الموسيقى وممارسة الرياضة، حيث إنّه مقتنع بأنّ اقتناء هذه الموهبتين ينتج التناغم والجمال، وبناء على ذلك التوازن الّذي يخلق الإبداع. 

عبر بحر أثينا يمكننا التحليق لنصل إلى جبال الصين، حيث يجلس الفيلسوف كونفيوشس ويكتب مخطوطاته الّتي يعبّر بحروفها عن الوسط الذهبيّ ويقول: "أنّ الفضيلة المقرّة في مذهب التوسّط هو من أعلى درجات الفضيلة لكنّه نادر جدّاً في الناس". وكذلك قال: "أنّ الزيادة كالنقصان، الحياة في الوسط."، بتلك الكلمات استطاع كونفيوشس ان يعبّر عن الفضيلة المقترنة بمفهوم الوسط الذهبيّ ووصفها بأعلى درجات الفضيلة واعتبارها نادرة وغير موجودة بكثرة في البشر. 

ومن هنا نستطيع استنباط مفهوم فكرة الوسط الذهبيّ، فطالما سمعنا من آبائنا جملة "خير الأمور أوسطها"، تلك العبارة بشكل أو بآخر تعبّر عن مفهوم الوسط الذهبيّ الّتي ابتكرها الفيلسوف أفلاطون وتناقلتها الأجيال عبر العصور، حيث إنّه وضع الصفات في ميزان طرفاه النقصان، والتطرّف حيث إنّه عندما تتساوى كفتاه يحدث التوازن الّذي يخلق بينهم صفة وسطيّة وصفها بالفضيلة، ومن هنا يحثّنا مفهوم الوسط الذهبيّ على الاعتدال، والوسطيّة، والابتعاد عن الإفراط أو النقصان والتوسّط في الأشياء في حياتنا، لكي يغلب السلام والطمأنينة على مسار قدرنا.