الجن مكلفون بالعبادة شأنهم شأن الإنس في ذلك ، فإن الله خلق الجن والإنس لعبادته كما قال سبحانه : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56}.
وقد أرسل الله لهم الرسل مبشرين ومنذرين فمن أطاع منهم أثابه بالجنة على الصحيح الراجح ، ومن عصى وكفر وعتى عاقبه بالنار .
قال تعالى : "يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ" {الأنعام:130}.
وقال تعالى ( وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [ الجن : 14 - 15]
وأكثر العلماء أن رسل الجن هم رسل الإنس ولم يكن هناك رسل من الجن ، واتفق العلماء أن رسولنا بعث إلى الثقلين من الجن والإنس .
قال تعالى ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) {الأنبياء:107} ، والعالمين تشمل عالم الجن كما عالم الإنس في هذا المقام .
والجن مخاطبون بالتوحيد شأنهم شأن الإنس فلا فرق بيننا وبينهم في ذلك اتفاقا .
أما العبادات وكيفيتها وشروطها وأحكامها فالجن وإن كانوا مكلفين بالعبادة أيضاً ولكن تفاصيل هذه العبادة ليست معروفة ولا يلزم أن يكونوا مثلنا فيها ، وليس عندنا في الواقع خبر ذلك ، وإن كان بعض العلماء ذهب إلى أنه يغلب مخالفتهم لنا في التفاصيل لمخالفتهم لنا في الخلقة والقدرة ، وهذا يقتضي اختلاف في كيفية التكليف .
قال الإمام الزركشي رحمه الله في كتابه البحر المحيط :
( وقد وقع نزاع بين المتأخرين في أن الجن مكلفون بفروع الدين :
فقال بعض محققيهم : إنهم مكلفون بها في الجملة لكن لا على حد تكليف الإنس بها لأنهم يخالفون الإنس بالحد والحقيقة ، فبالضرورة يخالفونهم في بعض التكاليف .
مثاله أن الجن قد أعطى بعضهم قوة الطيران في الهواء فهو مخاطب بقصد البيت الحرام للحج طائراً ، والإنسان لعدم تلك القوة لا يخاطب بذلك ، هذا في طرف زيادة تكليفهم على تكليف الإنس ، فكل تكليف يتعلق بخصوص طبيعية الإنس ينتفي في حق الجن ، لعدم تلك الخصوصية فيهم .
والدليل على تكليف الجن بالفروع الإجماع على أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل بالقرآن إلى الإنس والجن ، وجميع أوامره ونواهيه يتوجه إلى الجنسين ، وقد تضمن ذلك أن كفار الإنس مخاطبون بها ، وكذلك كفار الجن ).
والله أعلم