هل يصح أن من تعلق قلبه بمخلوق سيعذب ويذل به

1 إجابات
profile/دمحمد-الطويل-1
د.محمد الطويل
الفقه وأصوله
.
٠٤ مايو ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
نعم إذا كان تعلقه به على غير الوجه الشرعي المباح، فمن تعلق بغير الله تعلقاً محرماً شغله عن الله بحيث زاحمت محبته محبة الله فإنه سيعذب بهذا التعلق ولا بد وسيكون هذا التعلق سبباً للعقوبة في الدنيا والآخرة.

وهذه القاعدة دلت عليها النصوص الشرعية منها قوله تعالى (فلا تُعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا)، فهؤلاء المنافقين لما تعلقت قلوبهم بأموالهم وأولادهم حتى قدموا محبتها على محبة الله، بحيث فعلوا الموبقات لأجل تحصيلها والحفاظ عليها، صارت هذه الشهوات عقوبة لهم وعذاباً لهم.

ووجه ذلك أنهم لشدة حرصهم على تحصيل هذه الأموال والأولاد وتعلق قلوبهم بها، تجدهم يجهدون أنفسهم ويتعبونها في تحصيل هذه الأموال حتى إنك لتجد الواحد منهم يحرم نفسه من كثير من ملاذ الدنيا حرصاً على تحصيل وكنز متاعها، وتجدهم مع هذا حزينين على ما فاتهم منها وخائفين ألا ينالوا منها شيئاً مستقبلاً، وحريصين على حفظ وادخار ما كنزوا منهم.

وهو في سبيل تحصيل هذه الشهوات مستعد أن يضحي بكرامته وعزة نفسه ويتحمل الإهانات حفاظاً على منصبه وجاهه، فمتى سلم له ماله أو نال شيئاً من متاع الدنيا فإنه لا يهمه ما ذهب من كرامته ودينه ومروءته.

فصارت هذه الأموال والأولاد سبباً للخوف والتعب والشقاء والاضطراب والذل وبذل ماء الوجه بدلاً من كونها سبباً للمتعة والراحة.

وهذا الأذى والعذاب قد يكون نفسياً وقد يكون مادياً حسياً.

وقس على هذا كل شيء تعلق به قلب العبد من دون الله تعلقاً غير شرعياً ولا مباحاً، كم أحب امرأة محبة محرمة، فإنك تجده معذباً بحبها لتعلق قلبها بها ورغبته في نيل ما يريد منها خاصة إذا كانت بعيدة عنه، وهو في الوقت ذاته يذل نفسه لها ليحظى منها بنظرة أو محبة أو متعة لحظة!

فالرب سبحانه لا يرضى أن يشاركه في قلب عبده شيء، فمن لم يفرغ قلبه لمحبة ربه والتعلق به، خرجت محبة الله من قلبه ووكله الرب لمن تعلق به، مع أن ما تعلق به غير الرب لا يملك ضراً ولا نفعاً.

قال ابن القيم رحمه الله (من أحب شيئا سوى الله عز وجل: فالضرر حاصل له بمحبوبه: إن وجد وإن فقد!!
فإنه إن فقده: عذب بفراقه، وتألم على قدر تعلق قلبه به.
وإن وجده كان ما يحصل له من الألم قبل حصوله، ومن النكد في حال حصوله، ومن الحسرة عليه بعد فوته = أضعاف، أضعاف ما في حصوله له من اللذة!).


وقال رحمه الله في موضع آخر (وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ضِيقِ الصَّدْرِ الْإِعْرَاضُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِغَيْرِهِ، وَالْغَفْلَةُ عَنْ ذِكْرِهِ، وَمَحَبَّةُ سِوَاهُ، فَإِنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا غَيْرَ اللَّهِ عُذِّبَ بِهِ، وَسُجِنَ قَلْبُهُ فِي مَحَبَّةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ، فَمَا فِي الْأَرْضِ أَشْقَى مِنْهُ، وَلَا أَكْسَفُ بَالًا، وَلَا أَنْكَدُ عَيْشًا، وَلَا أَتْعَبُ قَلْبًا).

والله أعلم